للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال: {وإذ أخذ الله ميثاق النبين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به، ولتنصرنه قال اقررتم وأخذتم على ذلك إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين. فمن تولى بعد لك فأولئك هم الفاسقون} [آل عمران: ١٨ - ٨٢].

والفرق واضح وذلك أن آية البقرة في بني إسرائيل، وتعداد نعمه عليهم، وعصيانهم مع ظهور الآيات البينات، فقد قال تعالى: {وإذ وعدنا موسى أربعين ليلة ثم اتخذتم العجل من بعده وأنتم ظالمون} [البقرة: ١٥]، فهم بعد أن فرق بهم البحر وأغرق آل فرعون اتخذوا العجل، بلا مدة فاصلة، فجاء بمن قال (من بعده) ولم يقل (بعده)، ثم عفا عنهم من بعد ذلك، ثم إنهم قال لموسى إنهم لن يؤمنوا بعد كل ذلك حتى يروا الله جهرة فأخذتهم الصاعقة فأماتهم، ثم بعثهم، من بعد الموت، ثم رفع فوقهم الطور، ثم تولوا من بعد ذلك فجأة، فما أقسى قلوبهم وما أضلهم، وهذا دليل على تقلب قلوبهم، وتمكن الضلال من نفوسهم، يعصون بعد الآيات فجأة.

وليس الأمر كذلك في آية آل عمران، لأن الكلام مع النبيين، وليس المقام مقام تبكيت ولا أنهم يتولون مباشرة من بعد الميثاق، وإنما هو مقام ترهيب وتوعد لمن تولى بعد الميثاق، والفرق واضح بين المقامين.

ونحو ذلك قوله تعالى: {وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} [الأنبياء: ٧]، وقوله: {وما أرسلنا من قبلك إلا رجال نوحي إليهم فسئلوا اهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} [النحل: ٤٣].

فلم يذكر (من) في آية الأنبياء، وذكرها في آية النحل، وسر ذلك أن (من) تفيد الابتداء كما ذكرنا، أي أن الأمر كذلك ابتداء من قبلك إلى القديم، بخلاف أية الأنبياء فهي ليست لهذا المعنى، والذي يدل على ذلك سياق الآيتين.

<<  <  ج: ص:  >  >>