ونحوه قوله تعالى:{وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا}[النمل: ١٤]، فالظلم حاصل، ولو قال لظلم وعلو لاحتمل المعنى، أن هذا الجحود إنما هو تمهيد لظلم وعلو سيقعان.
ونحوه أن تقول (فعلت هذا اختبارا له، ولا ختبار له) فالجملة الأولى أفادت أن الاختبار حصل، أما الثانية فتحتمل ذلك، وتحتمل أنه فعله لاختبار سيجريه عليه، ألا ترى أنه يصح أن تصرح بذلك، فتقول: فعلت هذا لاختبار أجريته عليه، وفعلت هذا لاختبار سأجريه عليه. ولا يصح ذلك في المنصوب.
وهذا مرتبط إلى حد كبير باتحاد المفعول له مع فعله في الزمن.
وقد تقلو: أنك ذكرت قبل قليل أن المفعول له المنصوب لا يشترط اتحاده مع فعله في الزمن.
فنقول: نحن منعنا قولهم أنه لا ينصب، إلا إذا اتفقنا في الزمن فنحن نجيز النصب مع اختلاف الزمانين بالدليل. فإن لم يكن هناك دليل على اختلافهما في الزمان، تعين أنه مقارن له، فالأصل في النصب أن يكون مقارنا لفعله، إلا إذا دل دليل على خلاف ذلك، أما الجر بالحرف فهو يحتمل الاختلاف والاتحاد في الزمان ابتداء.
٣ - في حالة النصب تكون العلة محدودة معلومة بخلاف الجر، وذلك على سبيل المثال قولك (فعله عدوانا) و (فعله لعدوان) فالعدوان الأول معلوم وهو محدود بالفعل المذكور، أما إذا قلت (لعدوان) فهو يحتمل أنه فعل ذلك لقصد عدوان بعد، وأنا لا نعلم مدى العدوان المتوقع، ومثله (ضربك ظلما) و (ضربك لظلم) فإن مدى الظلم في الأول محدود بالضرب وأما الثانية فقد يحتمل غير ذلك كأن يكون ضربه لقصد ظلم سيوقعه به فإنا لا نعلم مدى الظلم الذي سيحلقه به.
وفي هذا شبيه بما مر في الظرف في نحو (جئت صباحا) و (جئت في الصباح) ففي حالة النصب يكون الصباح معينا أي صباح يوم بعينه، وفي الثانية يكون الصباح غير معين ففي كلا التعبيرين أفاد النصب التعيين بخلاف المجرور.