للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وفيها معنى آخر، وهو أن الباء تفيد الالصاق، فقولك (يشربون بالعين) معناه أنهم يكونون بها، كما تقول (أقمنا بالعين وأكلنا وشربنا بها) أي هم قريبون من العين يشربون منها، بخلاف قولك (يشربون منها) فإنه ليس فيه نص على معنى القرب من العين، فقولك (اكلت من تفاح بستانك) لا يدل دلالة قاطعة على أنك كنت بالبستان، بل ربما حمل إليك.

فقوله (يشرب بها) يدل على أنهم نازلون بالعين، يشربون منها، فهو يدل على القرب والشرب، فالتمتع حاصل بلذتي النظر والشراب بخلاف الأولى، جاء في (البرهان) أن " العين ههنا إشارة إلى المكان الذي ينبع منه الماء لا إلى الماء نفسه نحو (نزلت بعين) فصار كقوله: مكانا يشرب به" (١).

قالوا: وقد تأتي للغاية بمعنى إلى، نحو قوله تعالى: {وقد أحسن بي} [يوسف: ١٠٠]، قالوا: هي بمعنى إلي، وقيل بل ضمن (أحسن) معنى (لطف) أي لطف بي (٢).

وثمة فرق بين أحسن إليه، وأحسن به، فإن معنى (أحسن إليه) قدم إليه إحسانا، أو صنع له إحسانا، أما (أحسن به) فمعناه وضع إحسانه به، ومن ذلك أنك تقول: أحسنت بهذا الأمر وأحسنت بعملك أي الصقت إحسانك بعملك ووضعته به، ولا تقول: أحسنت إلى عملك، ولا أحسنت إلى هذا الأمر إلا على معنى آخر، وهو أنك قدمت إليه إحسانا وهو معنى مجازي.

فإن الإحسان في (أحسن به) ألصق إذ إن فيه معنى الرعاية واللطف، قال تعالى: {وأحسن كما أحسن الله إليك} [القصص: ٧٧]، وقال على لسان سيدنا يوسف عليه السلام: {وقد أحسن بي} [يوسف: ١٠٠]، ففي الثانية إحسان خاص يختلف عن الأول، فإن الآية الأولى في عموم الخلق، وإحسان الله إلى الخلق إحسان عام يشترك فيه سيدنا يوسف


(١) البرهان ٣/ ٣٣٨ - ٣٣٩
(٢) المغنى ١/ ١٠٦

<<  <  ج: ص:  >  >>