للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولو بأقل خطوة وليس التأسيس والنداء حدثين ممتدين، ولا أصلين للمعنى الممتد، بل هما حدثان واقعان فيما بعد من، وهذا معنى (في)، فـ (من) في الآيتين بمعنى (في) ذلك لأن (من) في الظروف كثيرا ما تقع بمعنى (في) نحو جئت من قبل زيد ومن بعده {ومن بيننا وبينك حجاب} [فصلت: ٥]، وكنت من قدامك ..

وكذا الأقواء لم يبتديء من الحجج، بل المعنى من أجل مرور حجج وشهر، والظاهر مذهب الكوفيين إذ لا منع من مثل قولك (نمت من أول اليل إلى آخره) و (صمت من أول الشهر إلى آخره) وهو كثير الاستعمال (١).

وفي هذا الكلام نظر، فنحن نخالفه في أن المقصود من معنى الابتداء في (من) أن يكون الفعل شيئا ممتدا أو يكون أصلا للممتد، فإن ذلك في ابتداء الغاية وليس في عموم الابتداء كما ذكرنا، فقوله تعالى: {لمسجد أسس على التقوى من أول يوم} [التوبة: ١٠٨]، (من) فيه للابتداء فبدء التأسيس على التقوى أول يوم فهي لابتداء وقوع الحدث.

وأما ما ذهب إليه في معنى (من) الداخلة على الظروف، فقد ذكرناه في بحث الظرف ورجحنا أنها للابتداء، فـ (من) في الآية {ومن بيننا وبينك حجاب} [فصلت: ٥]، ليست بمعنى (في) وإنما هي للابتداء، جاء في (الكشاف) في تفسير هذه الآية: فإن قلت، هل لزيادة (من) في قوله (من بيننا وبينك حجاب) فائدة؟

قلت: نعم، لأنه لو قيل بيننا وبينك حجاب، لكا المعنى أن حجابا حاصل وسط الجهتين، وأما بزيادة من فالمعنى أن حجابا ابتدأ ما، وابتدأ منك، فالمسافة المتوسطة لجهتنا وجهتك مستوعبة بالحجاب لإفراغ فيها (٢).

ومعنى الابتداء هو الغالب على من، حتى ادعي جماعة أن سائر معانيها راجعة إليه (٣).


(١) شرح الرضي ٢/ ٣٥٥ - ٣٥٦
(٢) الكشاف ٣/ ٦٤
(٣) المغني ١/ ٣١٨

<<  <  ج: ص:  >  >>