للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

و (فبنقضهم ميثاقهم) وأنك تفهم من تركيب الآية: ما لنت لهم إلا برحمة من الله، وما لعناهم إلا بنقضهم ميثقاهم" (١).

والحق أنها لا تفيد القصر هنا، بل هي مؤكدة، أما معنى القصر الذي ذكر فهو متأت من التقديم، لا من زيادة (ما)، قال تعالى: {فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله وقتلهم الأنبياء بغير حق وقولهم قلوبنا غلف بل طبع الله عليها بكفرهم فلا يؤمنون إلا قليلا} [النساء: ١٥٥]، فقدم نقض الميثاق والكفر بآيات الله، وقتل الأنبياء لإفادة الحصر، والتقديم يفيد القصر، ـ كما مر في كثير من المواطن.

أما (ما) فهي للتوكيد وناسب زيادتها ههنا أن الكلام قبل هذه الآية على الميثاق. قال تعالى: {ورفعنا فوقهم الطور بميثاقهم وقلنا لهم ادخلوا الباب سجدا وقلنا لهم لا تعدوا في السبت وأخذنا منهم ميثاقا غليظا فبما نقضهم ميثاقهم وكفرهم بآيات الله} [النساء: ١٥٤ - ١٥٥]، فلما تقدم الكلام على الميثاق، وأخذ الميثاق الغليظ منهم، ناسب ذلك زيادة (ما) لتوكيد النقض كما ناسب تقديمه على بقية الأسباب للاهتمام به في هذا الموطن.

ونحوها قوله تعالى: {فبما نقضهم ميثاقهم لعنانهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه} [المائدة: ١٣]، فالقصر متأت من التقديم لا من (ما)، أما (ما) فهي للتوكيد، وناسب زيادتها أن السياق هو في الكلام على الميثاق كآية النساء، قال تعالى: {ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وبعثنا منهم اثنى عشر نقيبا وقال الله إني معكم لئن أقمتم الصلاة وأتيتم الزكاة وأمنتم برسلي وعزرتموهم وأقرضتم الله قرضا حسنا لأكفرن عنكم سيئاتكم ولأدخلنكم جنات تجري من تحتها الأنهار، فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكلم عن مواضعه ونسوا حظا مما ذكروا به ولا تزال تتطلع على خائنة منهم إلا قليل منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به} [المائدة: ١٢ - ١٤].


(١) بدائع الفوائد ٢/ ١٥٠ - ١٥١

<<  <  ج: ص:  >  >>