أنه لما كان المقام في الأنفال مقام الانتصار وإبراز دور الإمداد الرباني، قدم (به) على القلوب والضمير يعود على الإمداد، ولما كان المقام في آل عمران هو الطمأنة وتسكين القلوب قدمها على الإمداد فقال (ولتطمئن قلوبك به) وزاد كلمة (لكم) فقال (وما جعله الله إلا بشرى لكم) زيادة في المواساة والمسح على القلوب، فجعل كلا في مقامه.
ونحو ذلك قوله تعالى:{إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم}[البقرة: ١٧٣].
وقوله:{حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب}[المائدة: ٣]. وقوله:{قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقا أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن ربك غفور رحيم}[الأنعام: ١٤٥].
فقد قال في آية البقرة (وما أهل به لغير الله) فقدم (به) على (لغير الله) ومعنى (ما أهل به) ما رفع الصوت بذبحه وهو البهيمة، وقال في آيتي المائدة والأنعام (وما أهل لغير الله به) فقدم (لغير الله) على (ربه) وذلك أن المقام في آية الانعام كان في الكلام على المفترين على الله ممن كانوا يشرعون للناس باسم الدين، وهم يفترون عليه فقال {وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم شركاؤهم ليردوهم وليلبسوا عليهم دينهم ولو شاء الله ما فعلوه فذرهم وما يفترون وقالوا هذه أنعام وحرث حجر لا يطعمها إلا من نشاء بزعمهم وأنعام حرمت ظهورها وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها افتراء عليه}[الأنعام: ١٣٦ - ١٣٨].