للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بين تلك الدرج، ولا أن الثاني بعد الأول في الزمان، بل ربما يكون قبله كما في قوله:

إن من ساد ثم ساد أبوه ... ثم قد ساد قبل ذلك جده

فالمقصود ترتيب درجات معالي الممدوح فابتدأ بسيادته، ثم بسيادة أبيه، ثم بسيادة جده، وإن كان سيادة الأب مقدمة في الزمان على سيادة نفسه .. وقد تكون (ثم) والفاء أيضا لمجرد التدرج في الارتقاء، وإن لم يكن الثاني مرتبا في الذكر على الأول، وذلك إذا تكرر الأول بلفظه، نحو بالله، ووالله، ثم والله، وقوله تعالى: {وما أدراك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين} [الإنفطار: ١٧ - ١٨]، وقوله تعالى: {كلا سيوف تعلمون ثم كلا سوف تعلمون} [التكاثر: ٣ - ٤]، وقوله {وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى} [طه: ٨٢]، أي ثم بقي على ذلك الهدى من التوبة والإيمان والعمل الصالح، كما قيل في {اهدنا الصراط المستقيم} [الفاتحة: ٦]، أي أبقنا عليه، فاستعمل (ثم) أما نظرا إلى تمام البقاء أو استبعادا لمرتبة البقاء عليها من مرتبة ابتدائها، لأن البقاء عليها أفضل" (١).

وأما التراخي فقد أجيب عنه، أن (ثم) واقعة موقع الفاء في قوله: {جرى في الأنابيب ثم أضطرب}. (٢).

والحق أنه ليس المقصود بالتراخي المهلة الزمانية فقط، بل عموم البعد والتباين سواء كان ذلك في الزمان أم في الصفات أم في غيرهما، وذلك أن هذه اللفظة تفيد البعد عمومًا، فهي بفتح الثاء (ثم) إشارة إلى المكان البعيد، ويضم الثاء للتراخي في الزمان والبعد في الصفات والأحوال، يدل على ذلك استعمالها الكثير في فصيح الكلام.

جاء في (شرح الرضي على الكافية): " وقد تجيء في الجمل خاصة لاستبعاد مضمون ما بعدها عن مضمون ما قبلها، وعدم مناسبته له، كما ذكرنا في قوله تعالى:


(١) شرح الرضي ٢/ ٤٠٧
(٢) المغني ١/ ١١٨ - ١١٩

<<  <  ج: ص:  >  >>