فلما رتب البلاد الشامية في هذه السنة وحفظ الثغور واستنزل جعفر بن البسطي العمري من قلعته التي كانت لا سبيل عليها ولا مطمع في بعض يوم حتى كأن الملائكة فعلت ذلك.
يم قدم العراق في يوم الخميس من ذي الحجة سنة ستسع وسبعين وأربعمائة، وعقد الجسر بباب الطاق وعبرت العساكر كلها إلى الجانب الشرقي، فنزل في دار الخلافة بها، ونزل الصاحب الأجل صدر الإسلام والمسلمين نظام الملك قوام الدين العالم أبو الحسن بن علي بن إسحق رضي أمير المؤمنين أحسن الله له الجزاء في الآخرة والدنيا عن كافة المسلمين وأهل الدين في الداهر (كذا) في الخيام، وأمر العساكر بالنزول في الصحراء تبعا لما فعله ورفقا بالمسلمين، ولولا أن الله تعالى أمر بشكر المنعمين وأخبرنا في كتابه عن الأمم الماضين وعرفنا على لسان رسوله عليه السلام سير المتقدمين وذكر الأنبياء الصالحين والجبابرة المتكبرين واثنى على الصالحين فحملني على ذكر، وكان أول ما ذكره الذاكرون وسطره الكاتبون وخلد ذكره العاملون وحث عليه الواعظون ذكر السير الجميلة والأيام الصالحة والأوقات الآمنة، ليقتدي بذلك من يريد الآخرة ويعلم من لا علم له بالأمور حال هذا السلطان لهذا العصر والمدبر لهذا الملك أنه أسقط [الجباية عن؟] كل المؤمنين [من] العراق إلى جيحون من جميع الأعمال وعفي سبلها ونادي بإسقاطها واشترك العام والخاص في النفع بها، وأمنت السبل والطرقات حتى لم ير في طريق من يعترض لامرأة أو أخذ مال أو عربدة في المعسكر، ثم علق الجانبين بالتعاليق عند حمل ما حمله من الجهاز الذي يبهر العقول إلى دار الخلافة، فلم يفقد أحد من الناس في الليل والنهار من ذلك شيئا، ثم بني هذا الصاحب النظام صدر الإسلام أطال الله له العمر وأحسن له الذخرة الناجح لسلطانه المشفق على أهل زمانه في كل