ومن مزايا كتاب الروضة أنه لم يقتصر على سرد وجهة نظر المذهب الحنفي وحده ولكنه عالج موضوعه علاجاً جامعاً موازناً فعرض لمختلف وجوه النظر في المذاهب الإسلامية المختلفة من حنفية وشافعية وزيدية وإمامية وخوارج وأكثر من الموازنة بالدرجة الأولى بين أقوال الحنفية والشافعية وكل ذلك على طريقة علم الخلاف أي على طريقة الفقه الموازن بمصطلح عصرنا هذا إن صحت هذه الاستعارة فاتسع بذلك أفق هذا الكتاب، وقد كان الدامغاني أستاذ السمناني من المتضلعين بعلم الخلاف فنقل عن بعض مصنفاته وأشار إلى ما جرى عليه العمل في تلك الفترة الطويلة التي تولى فيها شيخه المذكور منصب قاضي القضاة فجاء كتاب الروضة جامعاً بين ما دونه الفقه في موضوع القضاء من قواعد نظرية وبين ما أسفر عنه العمل والتطبيق من حقائق، وهذه أهم ميزة انفرد بها هذا الكتاب عن سائر ما ألف في موضوعه.
إن المعضلة التي يواجهها الباحث في العلوم الإنسانية هي معضلة استحالة اختبار النظم في مختبر وإجراء التجارب عليها تمحيصاً لها، ولكن السمناني أتيحت له هذه الفرصة النادرة في مجلس قضاء شيخه حيث سجل لنا في نهاية أكثر فصول كتابه صوراً ممتعة مما كان يقع في ذلك المجلس ووازن بينها وبين ما قرره الفقهاء ورسموه للقضاء من قواعد نظرية فكان ذلك المجلس مختبراً للنظام القضائي في عصره.
ومع أن هذا الكتاب متواضع العنوان إذ يقتصر على الإشارة إلى "القضاة" والقضاء فإن موضوع الكتاب في الحقيقة أوسع من ذلك:
١ - فقد عني السمناني بجميع جوانب الفقه الإسلامي العام بما عقده من موازنات بين الخلافة والقضاء، وبين سلطة القاضي والإمام. وما يشترط في كل منهما من الصفات، وكيف يعزل كل منهما الخ فجاء بذلك كتاباً جامعاً في الفقه الإسلامي العام غير قاصر على بحث سلطة القضاء وبذلك يمكن القول أن السمناني كان من فقهاء الفقه العام إلى جانب تضلعه بالفقه الخاص، وأنه بذل في تطوير مبادئ الفقه العام جهوداً، وقدم لنا نماذج من الصياغة القانونية في هذا المضمار،