وَيَأْكُلُونَ لَحْمَهَا وَيُلْقُونَ جِلْدَهَا عَلَى شَجَرَةٍ قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ، لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «لَا فَرَعَ وَلَا عَتِيرَةَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْفَرَعَةِ مِنْ كُلِّ خَمْسِينَ وَاحِدَةٌ» قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ حَدِيثُ ثَابِتٍ فَهُوَ مَنْسُوخٌ، لِتَأَخُّرِ إسْلَامِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنَّهُ كَانَ فِي فَتْحِ خَيْبَرَ فِي السَّنَةِ السَّابِعَةِ مِنْ الْهِجْرَةِ؛ وَلِأَنَّ الْفَرَعَ وَالْعَتِيرَةَ كَانَ فِعْلُهُمَا أَمْرًا مُتَقَدِّمًا عَلَى الْإِسْلَامِ فَالظَّاهِرُ بَقَاؤُهُمْ عَلَيْهِ إلَى حِينِ نَسْخِهِ وَاسْتِمْرَارِ النَّسْخِ مِنْ غَيْرِ رَفْعٍ لَهُ.
(وَلَا يُكْرَهَانِ) أَيْ: الْفَرَعَةُ وَالْعَتِيرَةُ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْخَبْرِ نَفْيُ كَوْنِهِمَا سُنَّةً، لَا تَحْرِيمُ فِعْلِهِمَا وَلَا كَرَاهَتُهُ وَلَكِنْ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ التَّشْبِيهِ بِمَا كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَهَذَا وَاضِحٌ لِحَدِيثِ «مَنْ تَشَبَّهَ بِقَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ» .
[كِتَابُ الْجِهَادِ]
ِ خَتَمَ بِهِ الْعِبَادَاتِ؛ لِأَنَّهُ أَفْضَلُ تَطَوُّعِ الْبَدَنِ وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِالْإِجْمَاعِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ} [البقرة: ٢١٦] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ وَلِفِعْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَمْرِهِ بِهِ وَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ: «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ، وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالْغَزْوِ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ النِّفَاقِ» (وَهُوَ) أَيْ: الْجِهَادُ مَصْدَرُ جَاهَدَ جِهَادًا وَمُجَاهَدَةً مِنْ جَهَدَ إذَا بَالَغَ فِي قَتْلِ عَدُوِّهِ فَهُوَ لُغَةً بَذْلُ الطَّاقَةِ وَالْوُسْعِ وَشَرْعًا: (قِتَالُ الْكُفَّارِ) خَاصَّةً بِخِلَافِ الْمُسْلِمِينَ مِنْ الْبُغَاةِ وَقُطَّاعِ الطَّرِيقِ، وَغَيْرُهُمْ فَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِتَالِ عُمُومٌ مُطْلَقٌ.
(وَهُوَ فَرْضُ كِفَايَةٍ إذَا قَامَ بِهِ مَنْ يَكْفِي، سَقَطَ وُجُوبُهُ عَنْ غَيْرِهِمْ) وَإِنْ لَمْ يَقُمْ بِهِ مَنْ يَكْفِي أَثِمَ النَّاسُ كُلُّهُمْ فَالْخِطَابُ فِي ابْتِدَائِهِ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ كَفَرْضِ الْأَعْيَانِ ثُمَّ يَخْتَلِفَانِ بِأَنَّ فَرْضَ الْكِفَايَةِ يَسْقُطُ بِفِعْلِ الْبَعْضِ، وَفُرُوضُ الْأَعْيَانِ لَا تَسْقُطُ عَنْ أَحَدٍ بِفِعْلِ غَيْرِهِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ فَرْضُ كِفَايَةٍ وقَوْله تَعَالَى {فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى} [النساء: ٩٥]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute