(أَنْ يَحْمِيَ لِنَفْسِهِ) لِقَوْلِهِ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ، وَلِرَسُولِهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ صَلَاحَهُ يَعُودُ إلَى صَلَاحِ الْمُسْلِمِينَ، وَمَالُهُ كَانَ يَرُدُّهُ فِي الْمُسْلِمِينَ فَفَارَقَ الْأَئِمَّةُ فِي ذَلِكَ، وَسَاوَوْهُ فِيمَا كَانَ صَلَاحُهُ لِلْمُسْلِمِينَ (وَلَمْ يَفْعَلْ) أَيْ: لَمْ يَحْمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِنَفْسِهِ شَيْئًا، وَإِنَّمَا حَمَى لِلْمُسْلِمِينَ، فَرَوَى ابْنُ عُمَرَ قَالَ «حَمَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّقِيعَ لِخَيْلِ الْمُسْلِمِينَ» رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَالنَّقِيعُ بِالنُّونِ مَوْضِعٌ يُنْتَقَعُ فِيهِ الْمَاءُ فَيَكْثُرُ فِيهِ الْخِصْبُ.
(وَمَا حَمَاهُ غَيْرُهُ) أَيْ: غَيْرُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (مِنْ الْأَئِمَّةِ جَازَ لَهُ) أَيْ: لِذَلِكَ الْحَامِي نَقْضُهُ (وَ) جَازَ (لِلْإِمَامِ غَيْرُهُ نَقْضُهُ) ؛ لِأَنَّ حِمَى الْأَئِمَّة اجْتِهَادٌ فِي حِمَاهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ دُونَ غَيْرِهَا (وَ) يَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ (يَمْلِكُهُ مُحْيِيهِ) ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْأَرْضِ بِالْأَحْيَاءِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ، وَالنَّصُّ مُقَدَّمٌ عَلَى الِاجْتِهَادِ.
(وَلَيْسَ لِلْأَئِمَّةِ أَنْ يَحْمُوا لِأَنْفُسِهِمْ شَيْئًا) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا حِمَى إلَّا لِلَّهِ، وَلِرَسُولِهِ» .
(وَمَنْ أَخَذَ مِمَّا حَمَاهُ إمَامٌ عُزِّرَ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ) لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَام (وَظَاهِرُهُ: وَلَا ضَمَانَ) عَلَى مَنْ أَخَذَ مِمَّا حَمَاهُ الْإِمَامُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ مُبَاحٌ، وَالْمَنْعُ مِنْ حَيْثُ الِافْتِيَاتُ فَقَطْ.
وَلَا يَجُوز لِأَحَدٍ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ أَرْبَابِ الدَّوَابِّ عِوَضًا عَنْ مَرْعَى مَوَاتٍ أَوْ حِمًى؛ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - " شَرَّكَ النَّاسَ فِيهِ " قَالَهُ فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ، وَإِذَا كَانَ الْحِمَى لِكَافَّةِ النَّاسِ تَسَاوَى فِيهِ جَمِيعُهُمْ فَإِنْ خَصَّ بِهِ الْمُسْلِمِينَ اشْتَرَكَ فِيهِ غَنِيُّهُمْ، وَفَقِيرُهُمْ، وَمُنِعَ أَهْلُ الذِّمَّةِ، وَإِنْ خُصَّ بِهِ الْفُقَرَاءُ مُنِعَ مِنْهُ الْأَغْنِيَاءُ، وَأَهْلُ الذِّمَّةِ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُخَصَّ بِهِ الْأَغْنِيَاءُ، وَلَا أَهْلُ الذِّمَّةِ.
[بَابُ الْجَعَالَةِ]
ِ بِتَثْلِيثِ الْجِيم رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَالِكٍ، مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْجَعْلِ، بِمَعْنَى التَّسْمِيَةِ؛ لِأَنَّ الْجَاعِلَ يُسَمِّي الْجَعْلَ لِمَنْ يَعْمَلُ لَهُ الْعَمَلَ، أَوْ مِنْ الْجَعْلِ بِمَعْنَى الْإِيجَابِ يُقَالُ: جَعَلْتُ لَهُ كَذَا أَيْ: أَوْجَبْتُ، وَيُسَمَّى مَا يُعْطَاهُ الْإِنْسَانُ عَلَى أَمْرٍ يَفْعَلُهُ: جَعْلًا، وَجَعَالَةً، وَجَعِيلَةً قَالَهُ ابْنُ فَارِسٍ، وَالْأَصْلُ فِي مَشْرُوعِيَّتِهَا قَوْله تَعَالَى {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ} [يوسف: ٧٢] ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute