وَلَا عَفْوٌ مَعَ وُجُودِ وَارِثٍ لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: ٣٣] وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «فَأَهْلُهُ بَيْنَ خِيرَتَيْنِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ وَلِيُّ الْمَقْتُولِ لَهُ الْقِصَاصُ» وَالْعَفْوُ عَلَى الدِّيَةِ لَا مَجَّانًا.
[بَابُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ]
(بَابُ اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ وَهُوَ) أَيْ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ (فِعْلُ مَجْنِيٍّ عَلَيْهِ) إنْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ عَلَى مَا دُونَ النَّفْسِ (أَوْ) فِعْلُ (وَلِيِّهِ) أَيْ وَارِثِهِ إنْ كَانَتْ عَلَى النَّفْسِ (بِجَانٍ عَامِدٍ مِثْلَ مَا فَعَلَ) الْجَانِي (أَوْ شِبْهِهِ) أَيْ شِبْهِ فِعْلِ الْجَانِي (وَلَهُ) أَيْ اسْتِيفَاءُ الْقِصَاصِ (ثَلَاثَةُ شُرُوطٍ أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ مُسْتَحِقُّهُ مُكَلَّفًا) لِأَنَّ غَيْرَ الْمُكَلَّفِ لَيْسَ أَهْلًا لِلِاسْتِيفَاءِ بَعْدَ تَكْلِيفِهِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ إقْرَارُهُ وَلَا تَصَرُّفُهُ (فَإِنْ كَانَ) مُسْتَحَقَّ الْقِصَاصِ (صَغِيرًا أَوْ مَجْنُونًا لَمْ يَجُزْ) لِآخَرَ (اسْتِيفَاؤُهُ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَيُحْبَسُ الْقَاتِلُ حَتَّى يَبْلُغَ الصَّغِيرُ وَ) حَتَّى (يَعْقِلَ الْمَجْنُونُ) لِأَنَّ فِيهِ حَظًّا لِلْقَاتِلِ بِتَأْخِيرِ قَتْلِهِ وَحَظًّا لِلْمُسْتَحِقِّ بِإِيصَالِهِ إلَى حَقِّهِ، وَلِأَنَّهُ يَسْتَحِقُّ إتْلَافَ نَفْسِهِ وَمَنْفَعَتِهِ فَإِذَا تَعَذَّرَ اسْتِيفَاءُ النَّفْسِ لِعَارِضٍ بَقِيَ إتْلَافُ الْمَنْفَعَةِ سَالِمًا عَنْ الْمُعَارِضِ وَقَدْ حَبَسَ مُعَاوِيَةُ هُدْبَةَ بْنَ خَشْرَمٍ فِي قَوَدٍ حَتَّى بَلَغَ ابْنُ الْقَتِيلِ فَلَمْ يُنْكَرْ ذَلِكَ وَكَانَ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ.
(وَلَيْسَ لِأَبِيهِمَا) أَيْ الصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ (اسْتِيفَاؤُهُ) لَهُمَا (كَوَصِيٍّ وَحَاكِمٍ) لِأَنَّ الْقَصْدَ التَّشَفِّي وَتَرْكُ الْغَيْظِ وَلَا يَحْصُلُ ذَلِكَ بِاسْتِيفَاءِ الْأَبِ أَوْ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الدِّيَةِ فَإِنَّ الْغَرَضَ يَحْصُلُ بِاسْتِيفَائِهِ، وَلِأَنَّ الدِّيَةَ يَمْلِكُ اسْتِيفَاءَهَا إذَا تَعَيَّنَتْ وَالْقِصَاصَ لَا يَتَعَيَّنُ (فَإِنْ كَانَا مُحْتَاجَيْنِ إلَى نَفَقَةٍ فَلِوَلِيِّ الْمَجْنُونِ الْعَفْوُ إلَى الدِّيَةِ دُونَ وَلِيِّ الصَّغِيرِ نَصَّا) لِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَيْسَ فِي حَالَةٍ مُعْتَادَةٍ يُنْتَظَرُ فِيهَا إفَاقَتُهُ وَرُجُوعُ عَقْلِهِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ وَتَقَدَّمَ فِي اللَّقِيطِ مَا فِي ذَلِكَ.
(وَإِنْ مَاتَا) أَيْ: الصَّغِيرُ وَالْمَجْنُونُ (قَبْلَ الْبُلُوغِ وَالْعَقْلِ قَامَ وَارِثُهُمَا مَقَامَهُمَا فِيهِ) أَيْ: فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ، لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُمَا فَانْتَقَلَ بِمَوْتِهِمَا إلَى وَارِثِهِمَا كَسَائِرِ حُقُوقِهِمَا، (وَإِنْ قَتَلَا قَاتِلَ أَبِيهِمَا أَوْ قَطَعَا قَاطِعَهُمَا) أَيْ: الصَّغِيرُ وَالْمَجْنُونُ (قَهْرًا) سَقَطَ حَقُّهُمَا لِأَنَّهُ أَتْلَفَ عَيْنَ حَقِّهِ فَسَقَطَ الْحَقُّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute