للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أَحَدِهِمَا وَعَفَا الَّذِي لَيْسَتْ بِيَدِهِ، يَصِحُّ بِلَفْظِ الْعَفْوِ وَالْإِبْرَاءِ وَالْهِبَةِ وَنَحْوِهَا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ، لَكِنْ مُقْتَضَى مَا قَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالرِّعَايَةِ: عَدَمُ صِحَّةِ الْهِبَةِ بِلَفْظِ الْإِبْرَاءِ وَالْعَفْوِ.

وَلَوْ كَانَتْ الْعَيْنُ بِيَدِ الْمَوْهُوبِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ ابْنُ قُنْدُسٍ فِي حَاشِيَةِ الْمُحَرَّرِ فِي بَابِ الْهِبَةِ قُلْتُ: لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الْإِبْرَاءِ مِنْ الْعَيْنِ وَلَا مِنْ عَدَمِ صِحَّةِ الْبَيْعِ فِي الْمَجْهُولِ عَدَمُ صِحَّةِ الصُّلْحِ عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ أَوْسَعُ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ صَالَحَ الْوَرَثَةُ مَنْ وُصِّيَ لَهُ بِخِدْمَةٍ أَوْ سُكْنَى أَوْ حَمْلِ أَمَةٍ بِدَرَاهِمَ مُسَمَّاةٍ فَإِنَّهُ يَصِحُّ الصُّلْحُ كَمَا فِي الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ ذَلِكَ وَالْحَمْلُ عَيْنٌ فَلَا تَصِحُّ الْبَرَاءَةُ مِنْهُ.

[فَصْلٌ الصُّلْحُ عَلَى إنْكَارٍ]

فَصْلٌ الْقِسْمُ الثَّانِي مِنْ قِسْمَيْ الصُّلْحِ (الصُّلْحُ عَلَى إنْكَارٍ) وَذَلِكَ (بِأَنْ يَدَّعِيَ) إنْسَانٌ (عَلَيْهِ عَيْنًا فِي يَدِهِ، أَوْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ فَيُنْكِرُهُ) الْمُدَّعَى عَلَيْهِ (أَوْ يَسْكُتُ وَهُوَ يَجْهَلُهُ) أَيْ: الْمُدَّعَى بِهِ (ثُمَّ يُصَالِحُ عَلَى مَالٍ فَيَصِحُّ) الصُّلْحُ فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ لِعُمُومِ مَا سَبَقَ فَإِنْ قِيلَ: قَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إلَّا صُلْحًا أَحَلَّ حَرَامًا» وَهَذَا دَاخِلٌ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْ مَالِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَحَلَّ بِالصُّلْحِ فَالْجَوَابُ: أَنَّهُ لَا يَصْلُحُ دُخُولُهُ فِيهِ وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُ الْخَبَرِ عَلَيْهِ لِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَا ذَكَرْتُمْ يُوجَدُ فِي الصُّلْحِ بِمَعْنَى الْهِبَةِ فَإِنَّهُ يُحِلُّ لِلْمَوْهُوبِ مَا كَانَ حَرَامًا الثَّانِي: لَوْ حَلَّ بِهِ الْمُحَرَّمُ لَكَانَ الصُّلْحُ صَحِيحًا؛ لِأَنَّ الصُّلْحَ الْفَاسِدَ لَا يُحِلُّ الْحَرَامَ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ مَا يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى تَنَاوُلِ الْمُحَرَّمِ مَعَ بَقَائِهِ عَلَى تَحْرِيمِهِ، نَحْوَ أَنْ يُصَالِحَ حُرًّا عَلَى اسْتِرْقَاقِهِ (بِنَقْدٍ وَنَسِيئَةٍ) مُتَعَلِّقٌ بِيَصِحُّ؛ لِأَنَّ الْمُدَّعِي مُلْجَأٌ إلَى التَّأْخِيرِ بِتَأْخِيرِ خَصْمِهِ.

(وَيَكُونُ) الصُّلْحُ عَلَى (الْمَالِ الْمُصَالَحِ بِهِ بَيْعًا فِي حَقِّ الْمُدَّعِي) ؛ لِأَنَّهُ يَعْتَقِدُهُ عِوَضًا عَنْ حَقِّهِ فَيَلْزَمُهُ حُكْمُ اعْتِقَادِهِ (فَإِنْ وَجَدَ) الْمُدَّعِي (فِيمَا أَخَذَهُ) مِنْ الْمَالِ (عَيْبًا فَلَهُ رَدُّهُ وَفَسْخُ الصُّلْحِ) أَوْ إمْسَاكُهُ مَعَ أَرْشِهِ، كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئًا فَوَجَدَهُ مَعِيبًا.

(وَإِنْ كَانَ) مَا أَخَذَهُ الْمُدَّعِي عِوَضًا عَنْ دَعْوَاهُ (شِقْصًا مَشْفُوعًا ثَبَتَتْ فِيهِ الشُّفْعَةُ) لِشَرِيكِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ لِكَوْنِهِ أَخَذَهُ عِوَضًا كَمَا لَوْ اشْتَرَاهُ (وَيَكُونُ) صُلْحُ الْإِنْكَارِ (إبْرَاءً فِي حَقِّ الْمُنْكِرِ؛ لِأَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ) أَيْ: الْمُدَّعِي (الْمَالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>