للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لِأَنَّ الشَّرْعَ رَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ أَحْكَامًا وَلَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارًا فَوَجَبَ الرُّجُوعُ فِيهِ إلَى الْعَادَةِ كَالْقَبْضِ وَالْحِرْزِ (وَمَا نَوَاهُ) الْحَالِفُ (بِيَمِينِهِ) مِمَّا يَحْتَمِلُهُ لَفْظُهُ فَهُوَ عَلَى مَا نَوَاهُ (وَكَذَا مَا اقْتَضَاهُ سَبَبُ الْيَمِينِ) كَمَا تَقَدَّمَ (وَتَقَدَّمَ مَالَهُ تَعَلُّقٌ بِهَذَا الْبَابِ فِي) كِتَابِ (الطَّلَاقِ) فَالْحُكْمُ هُنَا وَهُنَاكَ وَاحِدٌ مَا عَدَا مَا يُنَبَّهُ عَنْهُ.

[بَاب النَّذْر]

(النَّذْر) مَصْدَرُ نَذَرْتُ أَنْذُرُ بِالضَّمِّ وَكَسْرِهَا فَأَنَا نَاذِرٌ أَيْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا وَالْأَصْلُ فِيهِ الْإِجْمَاعُ وَسَنَدُهُ قَوْله تَعَالَى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان: ٧] وَقَوْله: {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: ٢٩] وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ وَيَتَعَيَّنُ الْوَفَاءُ بِنَذْرِ التَّبَرُّرِ (وَهُوَ) أَيْ النَّذْرُ بِالْمَعْنَى الْمَصْدَرِيِّ (مَكْرُوهُ وَلَوْ عِبَادَةً) لِنَهْيِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ.

وَقَالَ «إنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَالنَّهْيُ عَنْهُ لِكَرَاهَتِهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَرَامًا لَمَا مَدَحَ الْمُوَفِّينَ بِهِ لِأَنَّ ذَمّهُمْ بِارْتِكَابِ الْمُحَرَّمِ أَشَدُّ مِنْ طَاعَتِهِمْ فِي وَفَائِهِ وَلَوْ كَانَ مُسْتَحَبًّا لَفَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ (لَا يَأْتِي) أَيْ النَّذْرُ (بِخَيْرٍ) لِلْخَبَرِ (وَلَا يَرُدُّ قَضَاءً) وَلَا يَمْلِكُ بِهِ شَيْئًا مُحْدَثًا قَالَهُ ابْنُ حَامِدٍ (وَهُوَ) أَيْ النَّذْرُ (إلْزَامُ مُكَلَّفٍ مُخْتَارٍ نَفْسَهُ لِلَّهِ تَعَالَى بِالْقَوْلِ شَيْئًا غَيْرَ لَازِمٍ بِأَصْلِ الشَّرْعِ كَ) قَوْلِهِ (عَلَيَّ لِلَّهِ أَوْ نَذَرْتُ لِلَّهِ وَنَحْوِهِ) كَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا وَنَحْوِهِ مِمَّا يُؤَدِّي مَعْنَاهُ فَلَا يُنَفَّذُ مِنْ غَيْرِ مُكَلَّفٍ كَالْإِقْرَارِ وَلَا مِنْ مُكْرَهٍ وَلَا بِغَيْرِ قَوْلٍ إلَّا مِنْ أَخْرَسَ وَإِشَارَةٌ مَفْهُومَة كَيَمِينِهِ وَفِي نَذْرِ الْوَاجِبِ خِلَافٌ يَأْتِي فِي كَلَامِهِ (فَلَا تُعْتَبَر لَهُ صِيغَةٌ) بِحَيْثُ لَا يَنْعَقِدُ إلَّا بِهَا بَلْ يَنْعَقِدُ بِكُلِّ مَا أَدَّى مَعْنَاهُ كَالْبَيْعِ.

(وَيَصِحُّ) النَّذْرُ (مِنْ كَافِرٍ) وَلَوْ (بِعِبَادَةٍ) لِحَدِيثِ عُمَرَ «إنِّي كُنْتُ نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْفِ بِنَذْرِكَ» .

(فَإِنْ نَوَاهُ) أَيْ النَّذْرَ (النَّاذِرُ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>