كُلِّ رِيحَيْنِ مِنْ الْأَرْبَعِ الْمَذْكُورَاتِ: رِيحٌ تُسَمَّى النَّكْبَاءُ لِتَنَكُّبِهَا طَرِيقَ الرِّيَاحِ الْمَعْرُوفَةِ وَلِكُلٍّ مِنْ هَذِهِ الرِّيَاحِ صِفَاتٌ وَخَوَاصٌّ تُمَيِّزُ بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ عِنْدَ ذَوِي الْخِبْرَةِ بِهِ.
(وَمِنْهَا) أَيْ أَدِلَّةِ الْقِبْلَةِ (الْجِبَالُ الْكِبَارُ، فَكُلُّهَا مُمْتَدَّةٌ عَنْ يَمْنَةِ الْمُصَلِّي إلَى يَسْرَتِهِ، وَهَذِهِ دَلَالَةٌ قَوِيَّةٌ) تُدْرَكُ بِالْحِسِّ (لَكِنْ تَضْعُفُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ وَهُوَ أَنَّ الْمُصَلِّي يَشْتَبِهُ عَلَيْهِ هَلْ يَجْعَلُ الْجَبَلَ الْمُمْتَدَّ خَلَفَهُ أَوْ قُدَّامَهُ؟ فَتَحْصُلُ الدَّلَالَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ وَالِاشْتِبَاهُ عَلَى جِهَتَيْنِ، هَذَا إذَا لَمْ يَعْرِفْ وَجْهَ الْجَبَلِ) فَإِنْ عَرَفَهُ اسْتَقْبَلَهُ.
(فَإِنَّ وُجُوهَ الْجِبَالِ إلَى الْقِبْلَةِ وَهُوَ) أَيْ وَجْهُ الْجَبَلِ (مَا فِيهِ مِصْعَدُهُ قَالَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَمِنْهَا) أَيْ الْأَدِلَّةِ (الْأَنْهَارُ الْكِبَارُ، غَيْرُ الْمَحْدُودَةِ) أَيْ الْمَحْفُورَةُ (كَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتِ وَالنَّهْرَوَانِ) وَهُوَ جَيْحُونَ (وَغَيْرِهَا) كَالنِّيلِ (فَإِنَّهَا تَجْرِي عَنْ يَمْنَةِ الْمُصَلِّي إلَى يَسْرَتِهِ، إلَّا نَهْرًا بِخُرَاسَانَ وَهُوَ الْمَقْلُوبُ وَ) إلَّا (نَهْرًا بِالشَّامِ وَهُوَ الْعَاصِي، يَجْرِيَانِ عَنْ يَسْرَةِ الْمُصَلِّي إلَى يَمْنَتِهِ) .
قَالَ الْمُوَفَّقُ: وَهَذَا لَا يَنْضَبِطُ لِأَنَّ الْأُرْدُنَّ بِالشَّامِ يَجْرِي نَحْوَ الْقِبْلَةِ وَكَثِيرٌ مِنْهَا يَجْرِي نَحْوَ الْبَحْرِ يَصُبُّ فِيهِ (قُلْتُ وَالِاسْتِدْلَالُ بِالْأَنْهَارِ فَرْعٌ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ بِالْجِبَالِ فَإِنَّهَا تَجْرِي فِي الْخِلَالِ الَّتِي بَيْنَ الْجِبَالِ مُمْتَدَّةً مَعَ امْتِدَادِهَا) وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي الْجُمْلَةِ.
[فَصْلٌ وَإِذَا اخْتَلَفَ اجْتِهَادُ رَجُلَيْنِ فِي جِهَةِ الْقِبْلَةِ]
فَصْلٌ (وَإِذَا اخْتَلَفَ اجْتِهَادُ رَجُلَيْنِ) يَعْنِي أَوْ امْرَأَتَيْنِ أَوْ خُنْثَيَيْنِ، أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ وَلَوْ قَالَ مُجْتَهِدَيْنِ: لَعُلِمَ الْكُلُّ (فَأَكْثَرَ) مِنْ مُجْتَهِدَيْنِ (فِي جِهَتَيْنِ فَأَكْثَرَ) بِأَنْ ظَهَرَ لِكُلٍّ مِنْهُمَا جِهَةً غَيْرَ الْجِهَةِ الَّتِي ظَهَرَتْ لِلْآخَرِ (لَمْ يَتْبَعْ وَاحِدٌ) مِنْهُمَا (صَاحِبَهُ) لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعْتَقِدُ خَطَأَ الْآخَرِ فَأَشْبَهَا الْعَالِمَيْنِ الْمُجْتَهِدَيْنِ فِي الْحَادِثَةِ إذَا اخْتَلَفَا وَالْقَاصِدَيْنِ رُكُوبُ الْبَحْرِ إذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّ أَحَدِهِمَا الْهَلَاكُ وَعَلَى ظَنِّ الْآخَرِ السَّلَامَةُ فَيَعْمَلُ كُلٌّ مِنْهُمَا بِغَالِبِ ظَنِّهِ (وَلَمْ يَصِحَّ اقْتِدَاؤُهُ) أَيْ أَحَدَهُمَا (بِهِ) أَيْ بِالْآخَرِ لِأَنَّهُ تَيَقَّنَ بِاجْتِمَاعِهِمَا فِي الصَّلَاةِ خَطَأَ أَحَدِهِمَا فِي الْقِبْلَةِ فَتَبْطُلُ جَمَاعَتُهُمَا.
(فَإِنْ كَانَ) اخْتِلَافُ اجْتِهَادِهِمَا (فِي وِجْهَةٍ وَاحِدَةٍ، بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا يَمِينًا، وَ) قَالَ (الْآخَرُ شِمَالًا صَحَّ أَنْ يَأْتَمَّ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ، لِاتِّفَاقِ اجْتِهَادِهِمَا) فِي الْجِهَةِ، وَالْوَاجِبُ الِاجْتِهَادُ إلَى الْجِهَةِ وَقَدْ اتَّفَقَا عَلَيْهَا.
(وَمَنْ بَانَ) أَيْ ظَهَرَ (لَهُ الْخَطَأُ) فِي اجْتِهَادِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute