رَوَاهُ سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ وَلِأَنَّهُ أَحَدُ مَبَانِي الْإِسْلَامِ فَلَمْ يَجُزْ تَأْخِيرُهُ إلَى غَيْرِ وَقْتٍ مُعَيَّنٍ كَبَقِيَّةِ الْمَبَانِي بَلْ أَوْلَى، وَأَمَّا تَأْخِيرُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْحَجَّ فُرِضَ سَنَةَ تِسْعٍ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ فِي آخِرِهَا، أَوْ لِأَنَّهُ تَعَالَى أَطْلَعَ نَبِيَّهُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمُوتُ حَتَّى يَحُجَّ فَيَكُونُ عَلَى يَقِينٍ مِنْ الْإِدْرَاكِ قَالَهُ أَبُو زَيْدٍ الْحَنَفِيُّ أَوْ لِاحْتِمَالِ عَدَمِ الِاسْتِطَاعَةِ أَوْ حَاجَةِ خَوْفٍ فِي حَقِّهِ مَنَعَهُ مِنْ الْخُرُوجِ وَمَنَعَ أَكْثَرَ أَصْحَابِهِ خَوْفًا عَلَيْهِ، أَوْ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَرِهَ لَهُ الْحَجَّ مَعَ الْمُشْرِكِينَ عُرَاةً حَوْلَ الْبَيْتِ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ.
[شَرَائِط وُجُوب الْحَجّ وَالْعُمْرَة]
(بِخَمْسَةِ شُرُوطٍ) .
أَحَدُهَا: (الْإِسْلَامُ وَ) الثَّانِي (الْعَقْلُ) وَهُمَا شَرْطَانِ لِلْوُجُوبِ وَالصِّحَّةِ (فَلَا يَجِبُ) حَجٌّ وَلَا عُمْرَةٌ (عَلَى كَافِرٍ وَلَوْ مُرْتَدًّا) ؛ لِأَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ دُخُولِ الْحَرَمِ وَهُوَ مُنَافٍ لَهُ (وَيُعَاقَبُ) الْكَافِرُ (عَلَيْهِ) أَيْ: عَلَى الْحَجِّ وَكَذَا الْعُمْرَةُ (وَعَلَى سَائِرِ فُرُوعِ الْإِسْلَامِ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ) كَالتَّوْحِيدِ إجْمَاعًا (وَتَقَدَّمَ مُوَضَّحًا) ، وَلَا يَجِبُ (الْحَجُّ) عَلَيْهِ (وَمِثْلُهُ الْعُمْرَةُ بِاسْتِطَاعَتِهِ فِي حَالِ رِدَّتِهِ فَقَطْ) بِأَنْ اسْتَطَاعَ زَمَنَ الرِّدَّةِ دُونَ زَمَنِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْوُجُوبِ زَمَنَ الرِّدَّةِ (وَلَا تَبْطُلُ اسْتِطَاعَتُهُ) فِي إسْلَامِهِ (بِرِدَّتِهِ) بَلْ يَثْبُتُ الْحَجُّ فِي ذِمَّتِهِ إذَا عَادَ لِلْإِسْلَامِ.
(وَإِنْ حَجَّ) وَاعْتَمَرَ (ثُمَّ ارْتَدَّ ثُمَّ أَسْلَمَ وَهُوَ مُسْتَطِيعٌ لَمْ يَلْزَمْهُ حَجٌّ) وَلَا عُمْرَةٌ؛ لِأَنَّهُمَا إنَّمَا يَجِبَانِ فِي الْعُمْرِ مَرَّةً.
وَقَدْ أَتَى بِهِمَا وَرِدَّتُهُ بَعْدَهُمَا لَا تُبْطِلُهُمَا إذَا عَادَ إلَى الْإِسْلَامِ كَسَائِرِ عِبَادَاتِهِ (وَتَقَدَّمَ بَعْضُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ وَلَا يَصِحُّ) الْحَجُّ (مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الْكَافِرِ وَلَوْ مُرْتَدًّا وَكَذَا الْعُمْرَةُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ عِبَادَةٌ مِنْ شَرْطِهَا النِّيَّةُ وَهِيَ لَا تَصِحُّ مِنْ كَافِرٍ.
(وَيَبْطُلُ إحْرَامُهُ وَيَخْرُجُ مِنْهُ بِرِدَّتِهِ فِيهِ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر: ٦٥] وَكَالصَّوْمِ، (وَلَا يَجِبُ) الْحَجُّ (عَلَى الْمَجْنُونِ) كَالْعُمْرَةِ لِحَدِيثِ «رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثٍ» .
(وَلَا يَصِحُّ) الْحَجُّ (مِنْهُ) أَيْ الْمَجْنُونِ وَلَا الْعُمْرَةُ (إنْ عَقَدَهُ بِنَفْسِهِ) أَوْ عَقَدَهُ لَهُ وَلِيُّهُ (كَالصَّوْمِ) .
وَإِنَّمَا صَحَّ مِنْ الصَّغِيرِ دُونَ التَّمْيِيزِ إذَا عَقَدَهُ لَهُ وَلِيُّهُ لِلنَّصِّ (وَلَا تَبْطُلُ اسْتِطَاعَتُهُ بِجُنُونِهِ) فَيَحُجُّ عَنْهُ، (وَلَا) يَبْطُلُ (إحْرَامُهُ بِهِ) أَيْ: بِالْجُنُونِ (كَالصَّوْمِ) لَا يَبْطُلُ بِالْجُنُونِ (وَلَا يَبْطُلُ الْإِحْرَامُ بِالْإِغْمَاءِ وَالْمَوْتِ وَالسُّكْرِ) كَالنَّوْمِ.
(وَ) الشَّرْطُ الثَّالِثُ (الْبُلُوغُ وَ) الرَّابِعُ (الْحُرِّيَّةُ) أَيْ: كَمَالُهَا، وَهُمَا شَرْطَانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute