لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَهَا فَسَلَّمَ وَتَكَلَّمَ بَعْدَ سَلَامِهِ، وَسَجَدَ لَهُمَا سُجُودًا وَاحِدًا وَلِأَنَّهُ شُرِعَ لِلْجَبْرِ فَكَفَى فِيهِ سُجُودٌ وَاحِدٌ كَمَا لَوْ كَانَ مِنْ جِنْسِ وَلِأَنَّهُ إنَّمَا أُخِّرَ لِيَجْمَعَ السَّهْوَ كُلَّهُ، وَأَمَّا حَدِيثُ ثَوْبَانَ لِكُلِّ سَهْوٍ سَجْدَتَانِ بَعْدَ سَلَامٍ فَالسَّهْوُ اسْمُ جِنْسٍ وَمَعْنَاهُ: لِكُلِّ صَلَاةٍ فِيهَا سَهْوٌ سَجْدَتَانِ يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدَ السَّلَامِ وَلَا يَلْزَمُهُ بَعْدَ السَّلَامِ سُجُودَانِ.
(وَ) إذَا اجْتَمَعَ سَهْوَانِ أَحَدُهُمَا قَبْلَ السَّلَامِ وَالْآخَرُ بَعْدَهُ فَإِنَّهُ (يُغَلِّبُ مَا قَبْلَ السَّلَامِ) عَلَى مَا بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ مَا قَبْلَ السَّلَامِ آكَدُ وَلِسَبَقِهِ (وَإِنْ شَكَّ فِي مَحَلِّ سُجُودِهِ) بِأَنْ حَصَلَ لَهُ سَهْوٌ وَشَكَّ: هَلْ السُّجُودُ لَهُ قَبْلَ السَّلَامِ أَوْ بَعْدَهُ؟ (سَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ) ؛ لِأَنَّهُ الْأَصْلُ (وَمَتَى سَجَدَ) لِلسَّهْوِ (بَعْدَ السَّلَامِ) سَوَاءٌ كَانَ مَحَلُّهُ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ (كَبَّرَ ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ) كَسُجُودِ صُلْبِ الصَّلَاةِ (ثُمَّ جَلَسَ) مُفْتَرِشًا فِي الثَّانِيَةِ وَمُتَوَرِّكًا فِي غَيْرِهَا (فَتَشَهَّدَ وُجُوبًا) التَّشَهُّدَ الْأَخِيرَ، ثُمَّ سَلَّمَ وَهُوَ قَوْلُ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ ابْنُ مَسْعُودٍ لِحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَهَا فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ ثُمَّ تَشَهَّدَ ثُمَّ سَلَّمَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَلِأَنَّهُ سُجُودٌ يُسَلَّمُ لَهُ، فَكَانَ مَعَهُ تَشَهُّدٌ يَعْقُبُهُ كَسُجُودِ الصُّلْبِ (وَتَقَدَّمَ) بَعْضُهُ (فِي الْبَاب قَبْلَهُ وَإِنْ سَجَدَ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ السَّلَامِ (سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ بِلَا تَشَهُّدٍ بَعْدَهُمَا) .
ذَكَرَهُ فِي الْخِلَافِ إجْمَاعًا (وَسُجُودٌ سَهْوٌ كَسُجُودِ صُلْبِ الصَّلَاةِ وَمَا يَقُولُ فِيهِ) أَيْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ (وَ) مَا يَقُولُ (بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ كَسُجُودِ صُلْبِ الصَّلَاةِ) لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي قِصَّةِ ذِي الْيَدَيْنِ «ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ» (وَمَنْ تَرَكَ السُّجُودَ الْوَاجِبَ) لِلسَّهْوِ (عَمْدًا لَا سَهْوًا بَطَلَتْ) صَلَاتُهُ بِتَرْكِ (مَا) مَحَلُّهُ (قَبْلَ السَّلَامِ) ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْوَاجِبَ عَمْدًا كَغَيْرِهِ مِنْ الْوَاجِبَاتِ.
وَ (لَا) تَبْطُلُ (بِ) تَرْكِ (مَا) مَحَلُّهُ (بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ جَبْرٌ لِلْعِبَادَةِ خَارِجٌ عَنْهَا (مُنْفَرِدٌ عَنْهَا) فَلَمْ تَبْطُلُ بِتَرْكِهِ، كَجُبْرَانَاتِ الْحَجِّ وَلِأَنَّهُ (وَاجِبٌ لَهَا كَالْأَذَانِ) يَعْنِي أَنَّهُ يُفَرَّقُ بَيْنَ الْوَاجِبِ فِي الصَّلَاةِ وَالْوَاجِبِ لَهَا؛ لِأَنَّ الْأَذَانَ وَاجِبٌ لِلصَّلَاةِ كَالْجَمَاعَةِ وَلَا تَبْطُلُ بِتَرْكِهِ بِخِلَافِ الْوَاجِبَاتِ فِي الصَّلَاةِ إذَا تَرَكَ مِنْهَا شَيْئًا.
[بَابُ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute