وَهَكَذَا، فَلَا يَرِثُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَقَالَ الْقَاضِي: الْيَهُودِيَّةُ مِلَّةٌ، وَالنَّصْرَانِيَّةُ مِلَّةٌ وَمَنْ عَدَاهُمَا مِلَّةٌ (وَيَرِثُ ذِمِّيٌّ حَرْبِيًّا وَعَكْسُهُ) أَيْ يَرِثُ الْحَرْبِيُّ الذِّمِّيَّ (وَ) يَرِثُ (حَرْبِيٌّ مُسْتَأْمَنًا وَعَكْسُهُ) أَيْ يَرِثُ الْمُسْتَأْمَنُ الْحَرْبِيَّ (وَ) يَرِثُ (ذِمِّيٌّ مُسْتَأْمَنًا وَعَكْسُهُ) أَيْ يَرِثُ الْمُسْتَأْمَنُ الذِّمِّيَّ (بِشَرْطِهِ) وَهُوَ اتِّحَادُ الْمِلَّةِ، فَاخْتِلَافُ الدَّارَيْنِ لَيْسَ بِمَانِعٍ؛ لِأَنَّ الْعُمُومَاتِ مِنْ النُّصُوصِ تَقْتَضِي تَوْرِيثَهُمْ وَلَمْ يَرِدْ بِتَخْصِيصِهِمْ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ، وَلَا يَصِحُّ فِيهِمْ قِيَاسٌ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِعُمُومِهَا.
وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا يَتَوَارَثُ أَهْلُ مِلَّتَيْنِ شَتَّى» أَنَّ أَهْلَ الْمِلَّةِ الْوَاحِدَةِ يَتَوَارَثُونَ وَضَبْطُ التَّوْرِيثِ بِالْمِلَّةِ وَالْكُفْرِ وَالْإِسْلَامِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الِاعْتِبَارَ بِهِ دُونَ غَيْرِهِ (وَالْمُرْتَدُّ لَا يَرِثُ أَحَدًا) مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَا مِنْ الْكُفَّارِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَثْبُتْ لَهُ حُكْمُ دِينٍ مِنْ الْأَدْيَانِ (إلَّا أَنْ يُسْلِمَ) الْمُرْتَدُّ (قَبْلَ قَسْمِ الْمِيرَاثِ) فَيَرِثَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ.
(وَلَا يَرِثُهُ) أَيْ الْمُرْتَدَّ أَحَدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَرِثُ مِنْ الْكَافِرِ وَلَا مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّهُ يُخَالِفُهُمْ فِي حُكْمِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ مِنْ الرِّدَّةِ (فَإِنْ مَاتَ) الْمُرْتَدُّ وَلَوْ أُنْثَى (فِي رِدَّتِهِ فَمَالُهُ فَيْءٌ) يُوضَعُ فِي بَيْتِ الْمَالِ لِلْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ وَلَيْسَ وَارِثًا كَمَا تَقَدَّمَ، بَلْ جِهَةٌ وَمَصْلَحَةٌ (وَالزِّنْدِيقُ، وَهُوَ الَّذِي كَانَ يُسَمَّى مُنَافِقًا فِي عَصْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمُرْتَدٍّ) وَ (لَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ) ظَاهِرًا (وَيَأْتِي فِي بَابِ الْمُرْتَدِّ) وَالنِّفَاقُ اسْمٌ إسْلَامِيٌّ لَمْ تَعْرِفْهُ الْعَرَبُ بِالْمَعْنَى الْمَخْصُوصِ بِهِ، وَهُوَ سَتْرُ الْكُفْرِ وَإِظْهَارُ الْإِيمَانِ.
وَإِنْ كَانَ أَصْلُهُ فِي اللُّغَةِ مَعْرُوفًا، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ النَّافِقَاءِ، أَوْ مِنْ النَّفَقِ وَهُوَ السَّرَبُ الَّذِي يُسْتَتَرُ فِيهِ (وَمِثْلُهُ مُرْتَكِبُ بِدْعَةٍ مُكَفِّرَةٍ كَجَهْمِيٍّ) وَاحِدِ الْجَهْمِيَّةِ وَهُمْ أَتْبَاعُ جَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ الْقَائِلِ بِالتَّعْطِيلِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُشَبِّهَةِ وَنَحْوِهِمْ فَمَنْ لَمْ يَتُبْ لَا يَرِثْ وَلَا يُورَثْ.
[فَصْلٌ يَرِثُ مَجُوسِيٌّ إذَا أَسْلَمَ أَوْ حَاكَمَ إلَيْنَا]
(فَصْلٌ وَيَرِثُ مَجُوسِيٌّ وَنَحْوُهُ مِمَّنْ يَرَى حِلَّ نِكَاحِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ بِجَمِيعِ قَرَابَاتِهِ) إنْ أَمْكَنَ (إذَا أَسْلَمَ أَوْ حَاكَمَ إلَيْنَا) وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدٍ فِي الصَّحِيحِ عِنْدَهُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَضَ لِلْأُمِّ الثُّلُثَ، وَلِلْأُخْتِ النِّصْفَ، فَإِذَا كَانَتْ الْأُمُّ أُخْتًا وَجَبَ إعْطَاؤُهَا مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهَا فِي الْآيَتَيْنِ كَالشَّخْصَيْنِ، وَلِأَنَّهُمَا قَرَابَتَانِ تَرِثُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute