[بَابُ الْقَرْضِ]
(بَابٌ الْقَرْضُ) بِفَتْحِ الْقَافِ وَحُكِيَ كَسْرُهَا (وَهُوَ) فِي اللُّغَةِ: الْقَطْعُ، مَصْدَرُ قَرَضَ الشَّيْءَ يَقْرِضُهُ بِكَسْرِ الرَّاءِ قَطَعَهُ وَمِنْهُ الْمِقْرَاضُ، وَالْقَرْضُ: اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى الِاقْتِرَاضِ وَشَرْعًا (دَفْعُ مَالٍ إرْفَاقًا لِمَنْ يُنْتَفَعُ بِهِ وَيُرَدُّ بَدَلُهُ) وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْمُعَامَلَاتِ عَلَى غَيْرِ قِيَاسِهَا لِمَصْلَحَةٍ لَاحَظَهَا الشَّارِعُ، رِفْقًا بِالْمَحَاوِيجِ وَالْأَصْلُ فِيهِ: الْإِجْمَاعُ: لِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.
(وَ) هُوَ (نَوْعٌ مِنْ السَّلَفِ لِارْتِفَاقِهِ) أَيْ: انْتِفَاعِ الْمُقْتَرِضِ (بِهِ) أَيْ: بِمَا اقْتَرَضَهُ (وَيَصِحُّ) الْقَرْضُ (بِلَفْظِ: قَرْضٍ وَ) لَفْظِ (سَلَفٍ) لِوُرُودِ الشَّرْعِ بِهِمَا (وَبِكُلِّ لَفْظٍ يُؤَدِّي مَعْنَاهُمَا) أَيْ: مَعْنَى الْقَرْضِ وَالسَّلَفِ (كَقَوْلِهِ: مَلَّكْتُكَ هَذَا عَلَى أَنْ تَرُدَّ لِي بَدَلَهُ) أَوْ خُذْ هَذَا انْتَفِعْ بِهِ وَرُدَّ لِي بَدَلَهُ وَنَحْوَهُ (أَوْ تُوجَدُ قَرِينَةٌ دَالَّةٌ عَلَى إرَادَتِهِ) أَيْ: الْقَرْضِ كَأَنْ سَأَلَهُ قَرْضًا (فَإِنْ قَالَ: مَلَّكْتُكَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَدَلَ وَلَمْ تُوجَدْ قَرِينَةٌ) تَدُلُّ عَلَيْهِ (فَهُوَ هِبَةٌ) لِأَنَّهُ صَرِيحٌ فِي الْهِبَةِ (فَإِنْ اخْتَلَفَا) فَقَالَ الْمُعْطِي: هُوَ قَرْضٌ وَقَالَ الْآخِذُ: هُوَ هِبَةٌ (فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْآخِذِ) إنَّهُ هِبَةٌ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مَعَهُ.
(وَهُوَ) أَيْ: الْقَرْضُ (عَقْدٌ لَازِمٌ فِي حَقِّ الْمُقْرِضِ) بِالْقَبْضِ لِكَوْنِهِ أَزَالَ مِلْكَهُ عَنْهُ بِعِوَضٍ مِنْ غَيْرِ خِيَارٍ فَأَشْبَهَ الْبَيْعَ (جَائِزٌ فِي حَقِّ الْمُقْتَرِضِ) فِي الْجُمْلَةِ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُ فِيهِ.
(وَلَا يَثْبُتُ فِيهِ) أَيْ: الْقَرْضِ (خِيَارٌ) لِأَنَّهُ لَيْسَ بَيْعًا وَلَا فِي مَعْنَاهُ (وَهُوَ مِنْ الْمَرَافِقِ) جَمْعُ مَرْفَقٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا مَعَ كَسْرِ الْفَاءِ وَفَتْحِهَا وَهُوَ مَا ارْتَفَقْتَ بِهِ وَانْتَفَعْتَ (الْمَنْدُوبِ إلَيْهَا فِي حَقِّ الْمُقْرِضِ) لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ كَشَفَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ» قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ " لَأَنْ أُقْرِضَ دِينَارَيْنِ ثُمَّ يُرَدَّانِ، ثُمَّ أُقْرِضُهُمَا أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِمَا " وَ (لِمَا فِيهِ مِنْ الْأَجْرِ الْعَظِيمِ) وَمِنْهُ: مَا فِي حَدِيثِ أَنَسٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ رَأَيْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ مَكْتُوبًا الصَّدَقَةُ بِعَشْرَةِ أَمْثَالِهَا وَالْقَرْضُ بِثَمَانِيَةَ عَشْرَ فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ مَا بَالُ الْقَرْضِ أَفْضَلُ مِنْ الصَّدَقَةِ؟ قَالَ: لِأَنَّ السَّائِلَ يَسْأَلُ وَعِنْدَهُ وَالْمُقْتَرِضُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute