(فَلَمْ يَنْبُتْ الزَّرْعُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ، ثُمَّ نَبَتَ فِي السَّنَةِ الْأُخْرَى فَهُوَ لِلْمُسْتَأْجِرِ، وَعَلَيْهِ الْأُجْرَةُ لِرَبِّ الْأَرْضِ مُدَّةَ احْتِبَاسِهَا) فَيَلْزَمُهُ الْمُسَمَّى لِلسَّنَةِ الْأُولَى، وَأُجْرَةُ الْمِثْلِ لِلثَّانِيَةِ.
(وَلَيْسَ لِرَبِّ الْأَرْضِ مُطَالَبَتُهُ) أَيْ الْمُسْتَأْجِرِ (بِقَلْعِهِ) أَيْ الزَّرْعِ (قَبْلَ إدْرَاكِهِ) ؛؛ لِأَنَّهُ وَضَعَهُ بِحَقٍّ، وَتَأَخُّرُهُ لَيْسَ بِتَقْصِيرِهِ.
[بَابُ الْإِجَارَةِ]
مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْأَجْرِ وَهُوَ الْعِوَضُ وَمِنْهُ سُمِّيَ الثَّوَابُ أَجْرًا؛؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُعَوِّضُ الْعَبْدَ بِهِ عَلَى طَاعَتِهِ أَوْ صَبْرٍ عَنْ مَعْصِيَتِهِ وَهِيَ ثَابِتَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَسَنَدُهُ مِنْ الْكِتَابِ قَوْله تَعَالَى {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: ٦] وَمِنْ السُّنَّةِ حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي خَبَرِ الْهِجْرَةِ قَالَتْ: «وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي الدِّيلِ هَادِيًا خِرِّيتًا» ، وَالْخِرِّيتُ الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إلَيْهَا إذْ كُلُّ إنْسَانٍ لَا يَقْدِرُ عَلَى عَقَارٍ يَسْكُنُهُ، وَلَا عَلَى حَيَوَانٍ يَرْكَبُهُ، وَلَا عَلَى صَنْعَةٍ يَعْمَلُهَا وَأَرْبَابُ ذَلِكَ لَا يَبْذُلُونَهُ مَجَّانًا، فَجُوِّزَتْ طَلَبًا لِلرِّفْقِ (وَهِيَ) لُغَةً الْمُجَازَاةُ وَشَرْعًا (عَقْدٌ عَلَى مَنْفَعَةٍ مُبَاحَةٍ مَعْلُومَةٍ تُؤْخَذُ شَيْئًا فَشَيْئًا) وَهِيَ ضَرْبَانِ.
أَشَارَ إلَى الْأَوَّلِ مِنْهُمَا بِقَوْلِهِ (مُدَّةً مَعْلُومَةً مِنْ عَيْنٍ مَعْلُومَةٍ) مُعَيَّنَةٍ كَ أَجَّرْتُكَ هَذَا الْبَعِيرَ (أَوْ) مِنْ عَيْنٍ (مَوْصُوفَةٍ فِي الذِّمَّةِ) كَ أَجَّرْتُكَ بَعِيرًا صِفَتُهُ كَذَا وَيَسْتَقْصِي صِفَتَهُ وَأَشَارَ إلَى الضَّرْبِ الثَّانِي بِقَوْلِهِ (أَوْ عَمَلٍ مَعْلُومٍ) وَقَوْلُهُ (بِعِوَضٍ مَعْلُومٍ) رَاجِعٌ لِلضَّرْبَيْنِ فَعَلِمْتَ أَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ هُوَ الْمَنْفَعَةُ لَا الْعَيْنُ، خِلَافًا لِأَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ؛ لِأَنَّ الْمَنْفَعَةَ هِيَ الَّتِي تُسْتَوْفَى وَالْأَجْرُ فِي مُقَابَلَتِهَا وَلِهَذَا تُضْمَنُ دُونَ الْعَيْنِ وَإِنَّمَا أُضِيفَ الْعَقْدُ إلَى الْعَيْنِ؛؛ لِأَنَّهَا مَحَلُّ الْمَنْفَعَةِ وَمُنْشَؤُهَا، كَمَا يُضَافُ عَقْدُ الْمُسَاقَاةِ إلَى الْبُسْتَانِ وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ الثَّمَرَةُ، وَالِانْتِفَاعُ تَابِعٌ ضَرُورَةً أَنَّ الْمَنْفَعَةَ لَا تُوجَدُ إلَّا عَقِبَهُ (وَيُسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِمْ مُدَّةً مَعْلُومَةً) صُورَتَانِ: إحْدَاهُمَا تَقَدَّمَتْ فِي الصُّلْحِ، وَالْأُخْرَى (مَا فُتِحَ عَنْوَةً وَلَمْ يُقْسَمْ) بَيْنَ الْغَانِمِينَ (فِيمَا فَعَلَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -) فِي أَرْضِ الْخَرَاجِ فَإِنَّهُ وَقَفَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute