(وَمَنْ تَرَكَ دَابَّةً بِمَهْلَكَةٍ أَوْ) بِ (فَلَاةٍ لِعَجْزِهِ عَنْ عَلَفِهَا أَوْ) تَرْكَهَا بِهِمَا (لِانْقِطَاعِهَا) أَيْ: عَجْزِهَا عَنْ الْمَشْيِ (وَيَأْسِهِ مِنْهَا مَلَكَهَا مُسْتَنْقِذُهَا نَصًّا) لِمَا رَوَى الشَّعْبِيُّ مَرْفُوعًا «مَنْ وَجَدَ دَابَّةً عَجَزَ عَنْهَا أَهْلُهَا، فَسَيَّبُوهَا، فَأَخَذَهَا، فَأَحْيَاهَا فَهِيَ لَهُ» قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَقُلْتُ: يَعْنِي: لِلشَّعْبِيِّ مَنْ حَدَّثَكَ بِهَذَا قَالَ: غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ وَالدَّارَقُطْنِيّ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ إحْيَاءً لَهَا، وَإِنْقَاذًا مِنْ الْهَلَاكِ، وَصَوْنًا لِلْمَالِ عَنْ الضَّيَاعِ، وَحِفْظًا لِحُرْمَةِ الْحَيَوَانِ.
(لَا) إنْ أَخَذَ (عَبْدًا أَوْ مَتَاعًا تَرَكَهُ) رَبُّهُ (عَجْزًا) عَنْهُ فَلَا يَمْلِكُهُ بِذَلِكَ، اقْتِصَارًا عَلَى صُورَةِ النَّصِّ؛ وَلِأَنَّ الْعَبْدَ يُمْكِنُهُ فِي الْعَادَةِ التَّخَلُّصَ إلَى الْأَمَاكِنِ الَّتِي يَعِيشُ بِهَا، وَالْمَتَاعُ لَا حُرْمَةَ لَهُ فِي نَفْسِهِ، وَلَا يُخْشَى عَلَيْهِ التَّلَفُ كَالْخَشْيَةِ عَلَى الْحَيَوَانِ فَإِنَّ الْحَيَوَانَ يَمُوتُ إذَا لَمْ يُطْعَمْ، وَيُسْقَى، وَتَأْكُلُهُ السِّبَاعُ، وَالْمَتَاعُ يَبْقَى.
(وَلَا مَا أُلْقِيَ فِي الْبَحْرِ خَوْفًا مِنْ الْغَرَقِ) فَلَا يَمْلِكُهُ آخِذُهُ قَالَ الْحَارِثُ نَصَّ عَلَيْهِ وَقِيلَ: يَمْلِكُهُ آخِذُهُ قَدَّمَهُ فِي الْفَائِقِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَصَحَّحَهُ فِي النَّظْمِ، وَقَطَعَ بِهِ فِي التَّنْقِيحِ، وَالْمُنْتَهَى، وَتَبِعَهُمْ الْمُصَنِّفُ فِي اللُّقَطَةِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِ.
(أَوْ انْكَسَرَتْ السَّفِينَةُ السَّفِينَةُ وَأَخْرَجَهُ) أَيْ: الْمَتَاعَ الَّذِي كَانَ فِيهَا (قَوْمٌ) فَلَا يَمْلِكُونَهُ (فَيَرْجِعُ آخِذُهُ) أَيْ: الْعَبْدُ عَلَى رَبِّهِ (بِنَفَقَةٍ وَاجِبَةٍ وَ) بِ (أُجْرَةِ حَمْلِ مَتَاع) وَإِنْقَاذِ الْعَبْد أَوْ الْمَتَاعِ مِنْ الْبَحْرِ، وَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ رَبُّهُ كَمَا يَأْتِي فِي الْجِعَالَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ حَثًّا، وَتَرْغِيبًا فِي إنْقَاذِ الْأَمْوَالِ مِنْ الْهَلَكَةِ.
(، وَلِلْإِمَامِ أَنْ يَحْمِيَ) ، وَفِي نُسَخٍ: أَنْ يُحْيِيَ، وَالْأَوَّلُ الصَّوَابُ كَمَا فِي الْمُقْنِعِ، وَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِمَا، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ آخِرُ كَلَامِهِ (أَرْضَ مَوَاتٍ لِرَعْيِ دَوَابِّ الْمُسْلِمِينَ الَّتِي يَقُومُ بِحِفْظِهَا مِنْ الصَّدَقَةِ، وَالْجِزْيَةِ، وَدَوَابِّ الْغُزَاةِ، وَ) رَعْيِ (مَاشِيَةِ الضُّعَفَاءِ عَنْ الْبُعْدِ لِلرَّعْيِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ، مَا لَمْ يُضَيِّقْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ) لِقَوْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - " الْمَالُ مَالُ اللَّهِ، وَالْعِبَادُ عِبَادُ اللَّهِ، وَاَللَّهِ لَوْلَا مَا أَحْمِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا حَمَيْتُ مِنْ الْأَرْضِ شِبْرًا فِي شِبْرٍ رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ مَالِكٌ: بَلَغَنِي أَنَّهُ كَانَ يَحْمِلُ أَرْبَعِينَ أَلْفًا مِنْ الظَّهْرِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّ عُثْمَانَ حَمَى، وَاشْتَهَرَ، وَلَمْ يُنْكَرْ فَكَانَ كَالْإِجْمَاعِ (لَيْسَ ذَلِكَ) أَيْ: الْحِمَى (لِغَيْرِهِ) أَيْ: الْإِمَامِ لِقِيَامِ الْإِمَامِ مَقَامَ الْمُسْلِمِينَ، فِيمَا هُوَ مِنْ مَصَالِحِهِمْ دُونَ غَيْرِهِ.
غَيْرِهِ وَمَا حَمَاهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْ الْأَئِمَّةِ أَوْ غَيْرِهِمْ (نَقْضُهُ نَقْضُهُ وَلَا تَغْيِيرُهُ) لَا (مَعَ بَقَاءِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَ) لَا مَعَ (عَدَمِهَا، وَلَا إحْيَاؤُهُ فَإِنْ أَحْيَاهُ لَمْ يَمْلِكْهُ) ؛ لِأَنَّ النَّصَّ لَا يُنْقَضُ بِالِاجْتِهَادِ، (وَكَانَ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَطْ) دُونَ غَيْرِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute