قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ: قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ فِي حَالَةٍ يَجُوزُ فِيهَا قَتْلُهُ وَكَانَ الْأَسِيرُ (الْمَقْتُولُ رَجُلًا فَقَدْ أَسَاءَ) الْقَاتِلُ لِافْتِيَاتِهِ عَلَى الْإِمَامِ.
(وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ) أَيْ: الْقَاتِلِ نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ أَسَرَ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ وَابْنَهُ عَلِيًّا يَوْمَ بَدْرٍ فَرَآهُمَا بِلَالٌ فَاسْتَصْرَخَ الْأَنْصَارَ عَلَيْهِمَا، حَتَّى قَتَلُوهُمَا، وَلَمْ يَغْرَمُوا شَيْئًا؛ وَلِأَنَّهُ أَتْلَفَ مَا لَيْسَ بِمَالٍ.
(وَإِنْ كَانَ) الْأَسِيرُ (صَغِيرًا أَوْ امْرَأَةً) ، وَلَوْ رَاهِبَةً (عَاقَبَهُ) أَيْ: الْقَاتِلَ (الْأَمِيرُ) لِافْتِيَاتِهِ (وَغَرَّمَهُ قِيمَةَ غَنِيمَةٍ؛ لِأَنَّهُ صَارَ رَقِيقًا بِنَفْسِ السَّبْيِ) بِخِلَافِ الْحُرِّ الْمُقَاتِلِ.
(وَمَنْ أُسِرَ فَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ مُسْلِمًا لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ إلَّا بِبَيِّنَةٍ) ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ الظَّاهِرِ (فَإِنْ شَهِدَ لَهُ) أَيْ: لِلْأَسِيرِ رَجُلٌ.
(وَاحِدٌ وَحَلَفَ مَعَهُ، خَلَّى سَبِيلَهُ) فَيَثْبُتُ بِمَا يَثْبُتُ بِهِ الْمَالُ كَالْعِتْقِ وَالْكِتَابَةِ وَالتَّدْبِيرِ وَاسْتَدَلَّ الْأَصْحَابُ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ إلَّا أَنْ يَفْدِيَ أَوْ يُضْرَبَ عُنُقُهُ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ: إلَّا سُهَيْلَ ابْنَ بَيْضَاءَ فَإِنِّي سَمِعْته يَذْكُرُ الْإِسْلَامَ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إلَّا سُهَيْلَ ابْنَ بَيْضَاءَ فَقَبِلَ شَهَادَةَ عَبْدِ اللَّهِ وَحْدَهُ» قُلْت: هَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ كَهِلَالِ رَمَضَانَ فَيُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ عَدْلٍ وَاحِدٍ إذْ لَمْ يُذْكَرْ فِي الْخَبَرِ تَحْلِيفٌ.
(قَالَ جَمَاعَةٌ وَيَقْتُلُ الْمُسْلِمُ أَبَاهُ وَابْنَهُ وَنَحْوَهُمَا مِنْ ذَوِي الْقَرَابَةِ فِي الْمُعْتَرَكِ) ؛ لِأَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَتَلَ أَبَاهُ فِي الْجِهَادِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: ٢٢] الْآيَةَ.
(وَيُخَيَّرُ الْأَمِيرُ تَخْيِيرَ مَصْلَحَةٍ وَاجْتِهَادٍ) فِي الْأَصْلَحِ (لَا تَخْيِيرَ شَهْوَةٍ فِي الْأَسْرَى الْأَحْرَارِ الْمُقَاتِلِينَ وَالْجَاسُوسِ -، وَيَأْتِي - بَيْنَ قَتْلٍ) لِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٥] ؛ وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَتَلَ رِجَالَ قُرَيْظَةَ وَهُمْ بَيْنَ السِّتِّمِائَةِ وَالسَّبْعِمِائَةِ» وَ «قَتَلَ يَوْمَ بَدْرٍ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ وَالنَّضْرَ بْنَ الْحَارِثِ وَفِيهِ تَقُولُ أُخْتُهُ
مَا كَانَ ضَرُّك لَوْ مَنَنْت فَرُبَّمَا ... مَنَّ الْفَتَى وَهُوَ الْمُغِيظُ الْمُحْنِقُ
فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَوْ سَمِعْته مَا قَتَلْته» (وَاسْتِرْقَاقٍ) لِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ «لَا أَزَالُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ بَعْدَ ثَلَاثٍ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute