رَوَى أَبُو عُبَيْدٍ فِي كِتَابِ الْأَمْوَالِ عَنْ الْمَاجِشُونِ قَالَ: قَالَ بِلَالٌ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي الْقُرَى الَّتِي افْتَتَحُوهَا عَنْوَةً: " اقْسِمْهَا بَيْنَنَا، وَخُذْ خُمْسَهَا " فَقَالَ عُمَرُ: لَا، وَلَكِنِّي أَحْبِسُهُ، فَيَجْرِي عَلَيْهِمْ، وَعَلَى الْمُسْلِمِينَ " فَقَالَ بِلَالٌ، وَأَصْحَابُهُ " اقْسِمْهَا فَقَالَ عُمَرُ " اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِلَالًا، وَذَوِيهِ " فَمَا حَالَ الْحَوْلُ، وَمِنْهُمْ عَيْنٌ تَطْرِفُ قَالَ الْقَاضِي: وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْخُلَفَاءِ أَنَّهُ قَسَمَ أَرْضًا أُخِذَتْ عَنْوَةً إلَّا خَيْبَرَ.
وَفِي الْمُحَرَّرِ أَوْ يُمَلِّكُهَا لِأَهْلِهَا أَوْ غَيْرِهِمْ بِخَرَاجٍ فَدَلَّ كَلَامُهُمْ: أَنَّهُ لَوْ مَلَّكَهَا بِغَيْرِ خَرَاجٍ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي مَكَّةَ لَمْ يَجُزْ وَقَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ؛ لِأَنَّهَا مَسْجِدٌ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ، وَهِيَ مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ، بِخِلَافِ بَقِيَّةِ الْبُلْدَانِ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ.
(وَيَلْزَمُهُ) أَيْ: الْإِمَامَ (فِعْلُ الْأَصْلَحِ) لِلْمُسْلِمِينَ مِنْ الْقِسْمَةِ أَوْ الْوَقْفِ لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَيْسَ لِأَحَدٍ نَقْضُهُ) ؛ لِأَنَّهُ حُكْمٌ (وَلَا نَقْضُ مَا فَعَلَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ وَقْفٍ أَوْ قِسْمَةٍ أَوْ فَعَلَهُ الْأَئِمَّةُ بَعَدَهُ، وَلَا تَغْيِيرُهُ) أَيْ: تَغْيِيرَ مَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ؛ لِأَنَّهُ نَقْضٌ لِلْحُكْمِ اللَّازِمِ، وَإِنَّمَا التَّخْيِيرُ، وَالِاخْتِلَافُ فِيمَا اُسْتُؤْنِفَ فَتْحُهُ.
الضَّرْبُ (الثَّانِي) مِنْ الْأَضْرُبِ الثَّلَاثَةِ (مَا جَلَا عَنْهَا أَهْلُهَا خَوْفًا) ، وَفَزَعًا مِنَّا (وَظَهَرْنَا عَلَيْهَا فَتَصِيرُ وَقْفًا بِنَفْسِ الظُّهُورِ عَلَيْهَا) قَدَّمَهُ فِي الْمُقْنِعِ، وَغَيْرِهِ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: هَذَا الْمَذْهَبُ، وَعَلَيْهِ الْأَصْحَابُ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَغَيْرِهِ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي، وَالْمُحَرَّرِ، وَالشَّرْحِ، وَالْفُرُوعِ، وَغَيْرِهِمْ انْتَهَى؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ غَنِيمَةً فَتُقْسَمُ، فَيَكُونُ حُكْمُهَا حُكْمَ الْفَيْءِ أَيْ: لِلْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ، وَعَنْهُ حُكْمُهَا حُكْمُ الْعَنْوَةِ قِيَاسًا عَلَيْهَا، فَلَا تَصِيرُ وَقْفًا، حَتَّى يَقِفَهَا الْإِمَامُ وَقَطَعَ بِهَا فِي التَّنْقِيحِ، وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: لَكَن لَا تَصِيرُ وَقْفًا إلَّا بِوَقْفِ الْإِمَامِ لَهَا، صَرَّحَ بِهِ الْجَمَاعَةُ؛ لِأَنَّ الْوَقْفَ لَا يَثْبُتُ بِنَفْسِهِ فَعَلَى هَذَا: حُكْمُهَا قَبْلَ وَقْفِ الْإِمَامِ كَالْمَنْقُولِ يَجُوزُ بَيْعُهَا، وَالْمُعَارَضَةُ بِهَا وَعَلَى الْأُولَى: يَمْتَنِعُ.
الضَّرْبُ (الثَّالِثُ مَا صُولِحُوا عَلَيْهِ) مِنْ الْأَرْضِ (وَهُوَ ضَرْبَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يُصَالِحَهُمْ) الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ (عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لَنَا، لَنَا وَنُقِرُّهَا مَعَهُمْ بِالْخَرَاجِ، فَهَذِهِ) الْأَرْضُ (تَصِيرُ وَقْفًا بِنَفْسِ مَكِّنَا لَهَا، كَاَلَّتِي قَبْلَهَا) عَلَى الْخِلَافِ السَّابِقِ بِلَا فَرْقٍ.
(وَهُمَا) أَيْ: الْمُصَالَحُ عَلَى أَنَّهَا لَنَا، وَنُقِرُّهَا مَعَهُمْ بِالْخَرَاجِ، وَمَا جَلُوا عَنْهَا خَوْفًا مِنَّا (دَارُ إسْلَامٍ، وَسَوَاءٌ سَكَنَهَا الْمُسْلِمُونَ أَوْ أَقَرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا) كَأَرْضِ الْعَنْوَةِ (وَلَا يَجُوزُ إقْرَارُ كَافِرٍ بِهَا سَنَةً إلَّا إقْرَارَهُمْ) أَيْ: الْكُفَّارِ (بِهَا عَلَى وَجْهِ الْمِلْكِ لَهُمْ) ؛ لِأَنَّهَا دَارُ إسْلَامٍ كَأَرْضِ الْعَنْوَةِ.
(وَيَكُونُ خَرَاجُهَا أُجْرَةً) لَهَا (لَا يَسْقُطُ بِإِسْلَامِهِمْ، وَيُؤْخَذُ) الْخَرَاجُ (مِنْهُمْ، وَمِمَّنْ انْتَقَلَتْ إلَيْهِ مِنْ مُسْلِمٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute