لِأَنَّ أَمْرَ الْأَسِيرِ مُفَوَّضٌ إلَى الْإِمَامِ فَلَمْ يَجُزْ الِافْتِيَاتُ عَلَيْهِ فِيمَا يَمْنَعُهُ ذَلِكَ: كَقَتْلِهِ جَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي.
وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ: يَصِحُّ أَمَانُ غَيْرِ الْإِمَامِ لِلْأَسِيرِ الْكَافِرِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي طَالِبٍ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالنَّظْمِ وَالْحَاوِيَيْنِ اهـ وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى وَقَدَّمَهُ فِي الْمُبْدِعِ، لِقِصَّةِ زَيْنَبَ فِي أَمَانِهَا زَوْجَهَا وَأَجَابَ عَنْهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ بِأَنَّهُ إنَّمَا صَحَّ بِإِجَازَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَنْبِيهٌ " قَالَ الْجَوْهَرِيّ: الرَّعِيَّةُ الْعَامَّةُ.
(وَيَصِحُّ) الْأَمَانُ (مِنْ إمَامٍ لِجَمِيعِ الْمُشْرِكِينَ) لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَامَّةٌ.
(وَ) يَصِحُّ (أَمَانُ أَمِيرٍ لِأَهْلِ بَلْدَةٍ جَعَلَ بِإِزَائِهِمْ) أَيْ: وَلِيَ قِتَالَهُمْ لِأَنَّ لَهُ الْوِلَايَةَ عَلَيْهِمْ فَقَطْ (وَأَمَّا فِي حَقِّ غَيْرِهِمْ فَهُوَ كَآحَادِ الرَّعِيَّةِ الْمُسْلِمِينَ) لِأَنَّ وِلَايَتَهُ عَلَى قِتَالِ أُولَئِكَ دُونَ غَيْرِهِمْ.
(وَيَصِحُّ أَمَانُ أَحَدِ الرَّعِيَّةِ لِوَاحِدٍ وَعَشْرَةٍ وَقَافِلَةٍ وَحِصْنٍ صَغِيرَيْنِ عُرْفًا) لِأَنَّ عُمَرَ أَجَازَ أَمَانَ الْعَبْدِ لِأَهْلِ الْحِصْنِ (كَمِائَةٍ فَأَقَلّ) هَكَذَا فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى، وَمُقْتَضَى كَلَامِ الْفُرُوعِ أَنَّهُمَا قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَا صَغِيرَيْنِ عُرْفًا وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ مِنْ الْأَصْحَابِ قَالَ فِي تَصْحِيحِ الْفُرُوعِ: وَهُوَ الصَّوَابُ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِيَيْنِ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَا مِائَةً فَأَقَلَّ كَمَا اخْتَارَهُ ابْنُ الْبَنَّاءِ.
وَلَا يَصِحُّ أَمَانُ أَحَدِ الرَّعِيَّةِ لِأَهْلِ بَلْدَةٍ كَبِيرَةٍ، وَلَا رُسْتَاقٍ، وَلَا جَمْعٍ كَبِيرٍ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى تَعْطِيلِ الْجِهَادِ وَالِافْتِيَاتِ عَلَى الْإِمَامِ.
(وَ) يَصِحُّ (أَمَانُ أَسِيرٍ بِدَارِ حَرْبٍ إذَا عَقَدَهُ غَيْرُ مُكْرَهٍ) نَصَّ عَلَيْهِ لِلْعُمُومَاتِ (وَكَذَا أَمَانُ أَجِيرٍ وَتَاجِرٍ فِي دَارِ الْحَرْبِ) لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «ذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ» (وَمَنْ صَحَّ أَمَانُهُ) مِمَّنْ تَقَدَّمَ (صَحَّ إخْبَارُهُ بِهِ إذَا كَانَ عَدْلًا كَالْمُرْضِعَةِ عَلَى فِعْلِهَا) وَالْقَاسِمِ وَنَحْوِهِ.
(وَلَا يَنْقُضُ الْإِمَامُ أَمَانَ الْمُسْلِمِ) حَيْثُ صَحَّ لِوُقُوعِهِ لَازِمًا (إلَّا أَنْ يَخَافَ خِيَانَةَ مَنْ أُعْطِيَهُ) فَيَنْقُضُهُ لِفَوَاتِ شَرْطِهِ، وَهُوَ عَدَمُ الضَّرَرِ.
(وَيَصِحُّ) الْأَمَانُ (بِكُلِّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلٍ) وَتَأْتِي أَمْثِلَتُهُ (وَإِشَارَةٍ مَفْهُومَةٍ) حَتَّى مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى النُّطْقِ لِقَوْلِ عُمَرَ " وَاَللَّهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَشَارَ بِإِصْبَعِهِ إلَى السَّمَاءِ إلَى مُشْرِكٍ فَنَزَلَ بِأَمَانِهِ فَقَتَلَهُ لَقَتَلْتُهُ بِهِ " رَوَاهُ سَعِيدٌ بِخِلَافِ الْبَيْعِ وَالطَّلَاقِ، تَغْلِيبًا لَحَقْنِ الدَّمِ مَعَ أَنَّ الْحَاجَةَ دَاعِيَةٌ إلَى الْإِشَارَةِ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِيهِمْ عَدَمُ فَهْمِ كَلَامِ الْمُسْلِمِينَ كَالْعَكْسِ (وَرِسَالِهِ) بِأَنْ يُرَاسِلَهُ بِالْأَمَانِ (وَكِتَابٍ) بِأَنْ يَكْتُبَ لَهُ بِالْأَمَانِ كَالْإِشَارَةِ وَأَوْلَى (فَإِذَا قَالَ لِكَافِرٍ: أَنْتَ آمِنٌ) فَقَدْ أَمَّنَهُ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ «مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute