يَجِبْ الْغُسْلُ (أَوْ خَرَجَتْ بَقِيَّةُ مَنِيٍّ اغْتَسَلَ لَهُ بِغَيْرِ شَهْوَةٍ لَمْ يَجِبْ الْغُسْلُ) لِمَا رَوَى سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْجُنُبِ يَخْرُجُ مِنْهُ الشَّيْءُ بَعْدَ الْغُسْلِ؟ قَالَ: يَتَوَضَّأُ وَكَذَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ عَلِيٍّ وَلِأَنَّهُ مَنِيٌّ وَاحِدٌ فَأَوْجَبَ غُسْلًا وَاحِدًا، كَمَا لَوْ خَرَجَ دَفْقَةً وَاحِدَةً، وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ لِغَيْرِ شَهْوَةٍ أَشْبَهَ الْخَارِجَ لِبَرْدٍ، وَبِهِ عَلَّلَ أَحْمَدُ قَالَ: لِأَنَّ الشَّهْوَةَ مَاضِيَةٌ، وَإِنَّمَا هُوَ حَدَثٌ أَرْجُو أَنْ يُجْزِئَهُ الْوُضُوءُ.
(وَلَوْ) انْتَقَلَ الْمَنِيُّ (ثُمَّ خَرَجَ إلَى قُلْفَةِ الْأَقْلَفِ، أَوْ) إلَى (فَرْجِ الْمَرْأَةِ وَجَبَ) الْغُسْلُ، رِوَايَةً وَاحِدَةً وَإِنْ لَمْ نَقُلْ بِوُجُوبِ الْغُسْلِ بِالِانْتِقَالِ.
(وَلَوْ خَرَجَ مَنِيُّهُ مِنْ فَرْجِهَا بَعْدَ غُسْلِهَا فَلَا غُسْلَ عَلَيْهَا) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَنِيَّهَا (وَيَكْفِي الْوُضُوءُ، وَإِنْ دَبَّ مَنِيُّهُ) أَيْ: الرَّجُلِ فَدَخَلَ فَرْجَهَا ثُمَّ خَرَجَ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهَا أَوْ دَبَّ إلَى فَرْجِهَا (مَنِيُّ امْرَأَةٍ أُخْرَى بِسِحَاقٍ، فَدَخَلَ فَرْجَهَا) ثُمَّ خَرَجَ (فَلَا غُسْلَ عَلَيْهَا بِدُونِ إنْزَالٍ وَتَقَدَّمَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَنِيًّا خَارِجًا مِنْ مَخْرَجِهِ دَفْقًا بِلَذَّةٍ؛ لِأَنَّ الْغُسْلَ إنَّمَا وَجَبَ جَبْرًا لِلْبَدَنِ لِكَوْنِهِ يَنْقُصُ بِهِ مِنْهُ جُزْءٌ لِخُرُوجِهِ مِنْ جَمِيعِهِ؛ لِكَوْنِ الْحَيَوَانِ يُخْلَقُ مِنْهُ وَلِكَوْنِهِ يَنْقُصُ بِهِ جُزْءٌ مِنْ الْبَدَنِ وَلِهَذَا يَضْعُفُ بِكَثْرَتِهِ.
تَنْبِيهٌ مَحَلُّ وُجُوبِ الْغُسْلِ بِخُرُوجِ الْمَنِيِّ: إذَا لَمْ يَصِرْ سَلَسًا قَالَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ فَيَجِبُ الْوُضُوءُ فَقَطْ، لَكِنْ قَالَ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: يُمْكِنُ مَنْعُ كَوْنِ هَذَا مَنِيًّا؛ لِأَنَّ الشَّارِعَ وَصَفَهُ بِصِفَةٍ غَيْرِ مَوْجُودَةٍ فِيهِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْغُسْلَ كَالْوُضُوءِ سَبَبُ وُجُوبِهِ الْحَدَثُ.
(الثَّانِي) مِنْ مُوجِبَاتِ الْغُسْلِ (تَغْيِيبُ حَشَفَةٍ أَصْلِيَّةٍ أَوْ قَدْرِهَا إنْ فُقِدَتْ بِلَا حَائِلٍ فِي فَرْجٍ أَصْلِيٍّ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «إذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» زَادَ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ.
وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا قَعَدَ بَيْنَ شُعَبِهَا الْأَرْبَعِ، وَمَسَّ الْخِتَانُ الْخِتَانَ، فَقَدْ وَجَبَ الْغُسْلُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
وَمَا رُوِيَ عَنْ عُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَالزُّبَيْرِ وَطَلْحَةَ أَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا بِالْإِنْزَالِ، لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إنَّمَا الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ» فَمَنْسُوخٌ بِمَا رَوَى أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ قَالَ: «إنَّ الْفُتْيَا الَّتِي كَانُوا يَقُولُونَ: الْمَاءُ مِنْ الْمَاءِ رُخْصَةٌ رَخَّصَ بِهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ أَمَرَ بِالِاغْتِسَالِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، قَالَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ إسْنَادُهُ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ، ثُمَّ الْمُرَادُ مِنْ الْتِقَائِهِمَا، تَقَابُلُهُمَا وَتَحَاذِيهِمَا.
فَلِذَلِكَ عَدَلَ عَنْهُ الْمُصَنِّفُ كَغَيْرِهِ، لِمَا تَقَدَّمَ (قُبُلًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute