وَالْمَاءُ هُوَ الْأَصْلُ وَبَدَأَ بِرُبْعِ الْعِبَادَاتِ اهْتِمَامًا بِالْأُمُورِ الدِّينِيَّةِ وَتَقْدِيمًا لَهَا عَلَى الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَقَدَّمُوا الْمُعَامَلَاتِ عَلَى النِّكَاحِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ لِأَنَّ سَبَبَ الْمُعَامَلَاتِ - وَهُوَ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ وَنَحْوُهُمَا - ضَرُورِيٌّ يَسْتَوِي فِيهِ الْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ وَشَهْوَتُهُ مُقَدَّمَةٌ عَلَى شَهْوَةِ النِّكَاحِ.
وَقَدَّمُوا النِّكَاحَ عَلَى الْجِنَايَاتِ وَالْمُخَاصَمَاتِ؛ لِأَنَّ وُقُوعَ ذَلِكَ فِي الْغَالِبِ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ شَهْوَةِ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ وَالْكِتَابُ: مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَكْتُوبِ كَالْخَلْقِ بِمَعْنَى الْمَخْلُوقِ، يُقَالُ: كَتَبَ كَتْبًا وَكِتَابًا وَكِتَابَةً، وَمَعْنَاهَا: الْجَمْعُ يُقَالُ: كَتَبْتُ الْبَغْلَةَ إذَا جَمَعَتْ: بَيْنَ شَفْرَتِهَا بِحَلْقَةٍ أَوْ سَيْرٍ.
قَالَ سَالِمُ بْنُ دَارَةَ:
لَا تَأْمَنَنَّ فَزَارِيًّا خَلَوْتَ بِهِ ... عَلَى قُلُوصِكَ وَاكْتُبْهَا بِأَسْيَارِ
أَيْ وَاجْمَعْ بَيْنَ شَفْرَيْهَا وَمِنْهُ الْكَتِيبَةُ وَهِيَ الْجَيْشُ.
وَالْكِتَابَةُ بِالْقَلَمِ لِاجْتِمَاعِ الْكَلِمَاتِ وَالْحُرُوفِ وَأَمَّا الْكُثْبَةُ بِالْمُثَلَّثَةِ فَالرَّمْلُ الْمُجْتَمَعُ وَاعْتُرِضَ الْقَوْلُ بِأَنَّ الْكِتَابَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْكَتْبِ بِأَنَّ الْمَصْدَرَ لَا يُشْتَقُّ مِنْ مِثْلِهِ وَجَوَابُهُ: أَنَّ الْمَصْدَرَ فِي نَحْوِ ذَلِكَ وَأُرِيدَ بِهِ اسْمُ الْمَفْعُولِ كَمَا تَقَدَّمَ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ الْمَكْتُوبُ لِلطَّهَارَةِ أَوْ الْمَكْتُوبُ لِلصَّلَاةِ وَنَحْوِهَا، أَوْ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الِاشْتِقَاقُ الْأَكْبَرُ، وَهُوَ اشْتِقَاقُ الشَّيْءِ لِمَا يُنَاسِبُهُ مُطْلَقًا، كَالْبَيْعِ مُشْتَقٌّ مِنْ الْبَاعِ أَيْ مَأْخُوذٌ مِنْهُ وَإِنَّ الْمَصْدَرَ الْمَزِيدَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْمَصْدَرِ الْمُجَرَّدِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ.
وَكِتَابُ الطَّهَارَةِ: خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ هَذَا كِتَابُ الطَّهَارَةِ، أَوْ مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ مَحْذُوفٌ، أَوْ مَفْعُولٌ لِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ، وَكَذَا تُقَدَّرُ فِي نَظَائِرِهِ الْآتِيَةِ (وَهِيَ) أَيْ الطَّهَارَةُ لُغَةً النَّظَافَةُ وَالنَّزَاهَةُ عَنْ الْأَقْذَارِ حِسِّيَّةً كَانَتْ أَوْ مَعْنَوِيَّةً، وَمِنْهُ مَا فِي الصَّحِيحِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «كَانَ إذَا دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ قَالَ لَا بَأْسَ، طَهُورٌ إنْ شَاءَ اللَّهُ» أَيْ مُطَهِّرٌ مِنْ الذُّنُوبِ، وَالطَّهَارَةُ مَصْدَرُ طَهُرَ يَطْهُرُ بِضَمِّ الْهَاءِ فِيهِمَا وَهُوَ فِعْلٌ لَازِمٌ لَا يَتَعَدَّى إلَّا بِالتَّضْعِيفِ فَيُقَال طَهَّرْتُ الثَّوْبَ، وَمَصْدَرُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute