للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْأَصْحَابُ تَبَعًا لِلْجَوْهَرِيِّ: هِيَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ الْعَارِ وَفِيهِ شَيْءٌ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَهَا وَأَصْلُ الْمَادَّةِ فِيهَا قِيلَ: الْعُرْيُ، وَهُوَ التَّجَرُّدُ فَسُمِّيَتْ عَارِيَّةٌ لِتَجَرُّدِهَا عَنْ الْعِوَضِ، كَمَا تُسَمَّى النَّخْلَةُ الْمَوْهُوبَةُ عَرِيَّةٌ، لِتَعَرِّيهَا عَنْ الْعِوَضِ وَقِيلَ مِنْ التَّعَاوُرِ أَيْ التَّنَاوُبِ لِجَعْلِ مَالَهَا لِلْغَيْرِ نَوَّبَهُ فِي الِانْتِفَاعِ بِهَا (وَهِيَ) أَيْ الْعَارِيَّةُ (الْعَيْنُ الْمُعَارَةُ) أَيْ الْمَأْخُوذَةُ مِنْ مَالِكهَا أَوْ مَالِكِ مَنْفَعَتِهَا أَوْ مَأْذُونِهِمَا لِلِانْتِفَاعِ بِهَا مُطْلَقًا، أَوْ زَمَنًا مَعْلُومًا بِلَا عِوَضٍ وَتُطْلَقُ كَثِيرًا عَلَى الْإِعَارَةِ مَجَازًا وَيَرِدُ عَلَى تَعْرِيفِهِ الدَّوْرُ وَالْعَارَةُ بِمَعْنَى الْعَارِيَّةِ قَالَ تَمِيمُ بْنُ مُقْبِلٍ

فَأَخْلِقْ وَأَتْلِفْ إنَّمَا الْمَالُ عَارَةٌ ... وَكُلُّهُ مَعَ الدَّهْرِ الَّذِي هُوَ آكِلُهُ

(وَالْإِعَارَةُ إبَاحَةُ نَفْعِهَا بِغَيْرِ عِوَضٍ) مِنْ الْمُسْتَعِيرِ أَوْ غَيْرِهِ وَالْإِبَاحَةُ رَفْعُ الْحَرَجِ عَنْ تَنَاوُلِ مَا لَيْسَ مَمْلُوكًا لَهُ.

(وَهِيَ) أَيْ الْإِعَارَةُ (مَنْدُوبٌ إلَيْهَا) لِأَنَّهَا مِنْ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَقَالَ تَعَالَى {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [المائدة: ٢] وقَوْله تَعَالَى {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} [الماعون: ٧] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ " هِيَ الْعَوَارِيُّ " وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْعَارِيَّةُ مُؤَدَّاةٌ» وَالْمَعْنَى شَاهِدٌ بِذَلِكَ فَهِيَ كَهِبَةِ الْأَعْيَانِ.

(وَيُشْتَرَطُ كَوْنُهَا) أَيْ الْعَيْنِ الْمُعَارَةِ (مُنْتَفَعًا بِهَا مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهَا) كَالدُّورِ وَالْعَبِيدِ وَالثِّيَابِ وَالدَّوَابِّ وَنَحْوِهَا لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اسْتَعَارَ مِنْ أَبِي طَلْحَةَ فَرَسًا، وَمِنْ صَفْوَانَ أَدْرَاعًا وَسُئِلَ عَنْ حَقِّ الْإِبِلِ؟ فَقَالَ إعَارَةُ دَلْوِهَا وَإِطْرَاقُ فَحْلِهَا» فَثَبَتَ ذَلِكَ فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَالْبَاقِي قِيَاسًا وَخَرَجَ بِذَلِكَ مَا لَا يُنْتَفَعُ بِهِ إلَّا مَعَ تَلَفِ عَيْنِهِ كَالْأَطْعِمَةِ وَالْأَشْرِبَةِ لَكِنْ إنْ أَعْطَاهَا بِلَفْظِ الْإِعَارَةِ، فَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: اُحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ إبَاحَةُ الِانْتِفَاعِ عَلَى وَجْهِ الْإِتْلَافِ.

(وَتَنْعَقِدُ) الْإِعَارَةُ (بِكُلِّ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ يَدُلُّ عَلَيْهَا كَقَوْلِهِ: أَعَرْتُكَ هَذَا) الشَّيْءَ (أَوْ أَبَحْتُكَ الِانْتِفَاعَ بِهِ، أَوْ يَقُولُ الْمُسْتَعِيرُ: أَعِرْنِي هَذَا أَوْ أُعْطِنِيهِ أَرْكَبُهُ، أَوْ أَحْمِلُ عَلَيْهِ فَيُسَلِّمُهُ) الْمُعِيرُ (إلَيْهِ وَنَحْوُهُ) كَاسْتَرِحْ عَلَى هَذِهِ الدَّابَّةِ، وَكَدَفْعِهِ الدَّابَّةَ لِرَفِيقِهِ عِنْدَ تَعَبِهِ، وَتَغْطِيَتِهِ بِكِسَائِهِ إذَا رَآهُ بَرَدَ، لِأَنَّهَا مِنْ الْبِرِّ فَصَحَتْ بِمُجَرَّدِ الدَّفْعِ، كَدَفْعِ الصَّدَقَةِ وَمَتَى رَكِبَ الدَّابَّةَ أَوْ اسْتَبْقَى الْكِسَاءَ عَلَيْهِ كَانَ ذَلِكَ قَبُولًا قَالَ فِي التَّرْغِيبِ: يَكْفِي مَا دَلَّ عَلَى الرِّضَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ، كَمَا لَوْ سَمِعَ مَنْ يَقُولُ: أَرَدْتُ مَنْ يُعِيرُنِي كَذَا فَأَعْطَاهُ كَذَا لِأَنَّهَا إبَاحَةٌ لَا عَقْدٌ (وَيُعْتَبَرُ)

<<  <  ج: ص:  >  >>