فَلَا يُمْلَكُ بِالْإِحْيَاءِ مُطْلَقًا لِمَا فِيهِ مِنْ التَّضْيِيقِ فِي أَدَاءِ الْمَنَاسِكِ، وَاخْتِصَاصِهِ بِمَحَلٍّ النَّاسُ فِيهِ سَوَاءٌ وَمِنًى وَمُزْدَلِفَةَ عَلَى الْحَرَمِ كَمَا سَبَقَ فَلَا إحْيَاءَ بِهِمَا.
(وَمَوَاتُ الْعَنْوَةِ) كَأَرْضِ مِصْرَ وَالشَّامِ وَالْعِرَاقِ (كَغَيْرِهِ) مِمَّا أَسْلَمَ أَهْلُهُ عَلَيْهِ، كَالْمَدِينَةِ وَمَا صُولِحَ أَهْلُهُ عَلَى أَنَّ الْأَرْضَ لِلْمُسْلِمِينَ (فَيُمْلَكُ) مَوَاتُ الْعَنْوَةِ بِالْإِحْيَاءِ.
(وَلَا خَرَاجَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَنْ أَحْيَا مَوَاتَ الْعَنْوَةِ وَمَا رُوِيَ عَنْ الْإِمَامِ " لَيْسَ فِي أَرْضِ السَّوَادِ مَوَاتٌ " مُعَلَّلًا بِأَنَّهَا لِجَمَاعَةٍ فَلَا يَخْتَصُّ بِهَا أَحَدُهُمْ حَمَلَهَا الْقَاضِي عَلَى الْعَامِرِ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّ أَحْمَدَ قَالَهُ لِكَوْنِ السَّوَادِ كَانَ عَامِرًا فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَحِينَ أَخَذَهُ الْمُسْلِمُونَ مِنْ الْكُفَّارِ (إلَّا أَنْ يَكُونَ) الْمُحْيِي لِلْعَنْوَةِ (ذِمِّيًّا) فَعَلَيْهِ الْخَرَاجُ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا تُقَرُّ فِي يَدِ غَيْرِهِمْ بِدُونِ الْخَرَاجِ كَغَيْرِ الْمَوَاتِ وَهَلْ يَمْلِكُهُ مَعَ ذَلِكَ عِبَارَةُ الْإِنْصَافِ أَوَّلًا: تَقْتَضِي أَنَّهُ يَمْلِكُهُ وَثَانِيًا صَرِيحَةٌ فِي أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهُ بَلْ يُقَرُّ بِيَدِهِ بِالْخَرَاجِ.
(وَلَا يَمْلِكُ مُسْلِمٌ) بِالْإِحْيَاءِ (مَا) أَيْ مَوَاتًا (أَحْيَاهُ مِنْ أَرْضِ كُفَّارٍ صُولِحُوا عَلَى أَنَّهَا) أَيْ الْأَرْضَ (لَهُمْ، وَلَنَا الْخَرَاجُ عَلَيْهَا) ؛ لِأَنَّهُمْ صُولِحُوا فِي بِلَادِهِمْ فَلَا يَجُوزُ التَّعَرُّضُ لِشَيْءٍ مِنْهَا؛ لِأَنَّ الْمَوَاتَ تَابِعٌ لِلْبَلَدِ وَيُفَارِقُ دَارَ الْحَرْبِ؛ لِأَنَّهَا عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ.
(وَلَا يُمْلَكُ بِإِحْيَاءِ مَا قَرُبَ) عُرْفًا (مِنْ الْعَامِرِ وَتَعَلَّقَ بِمَصَالِحِهِ، كَطُرُقِهِ وَفِنَائِهِ) مَا اتَّسَعَ أَمَامَهُ (وَمُجْتَمَعِ نَادِيهِ) أَيْ جَمَاعَتِهِ (وَمَسِيلِ مِيَاهِهِ، وَمَطْرَحِ قُمَامَتِهِ، وَمُلْتَقَى تُرَابِهِ وَ) مَلْقَى (آلَاتِهِ) الَّتِي لَا نَفْعَ بِهَا (وَمَرْعَاهُ وَمُحْتَطَبِهِ، وَحَرِيمِ الْبِئْرِ، وَ) حَرِيمِ (النَّهْرِ، وَ) حَرِيمِ (الْعَيْنِ، وَمُرْتَكَضِ الْخَيْلِ) أَيْ الْمَحَلِّ الْمُعَدِّ لِرَكْضِهَا (وَمَدَافِنِ الْأَمْوَاتِ، وَمُنَاخِ الْإِبِلِ، وَالْمَنَازِلِ الْمُعْتَادَةِ لِلْمُسَافِرِينَ حَوْلَ الْمِيَاهِ، وَالْبِقَاعِ الْمُرْصَدَةِ لِصَلَاةِ الْعِيدَيْنِ، وَ) لِصَلَاةِ (الِاسْتِسْقَاءِ، وَ) لِصَلَاةِ (الْجَنَائِزِ، وَ) الْبِقَاعِ الْمُرْصَدَةِ لِ (دَفْنِ الْمَوْتَى) وَلَوْ قَبْلَ الدَّفْنِ.
(وَنَحْوِهِ فَكُلُّ مَمْلُوكٍ لَا يَجُوزُ إحْيَاءُ مَا تَعَلَّقَ بِمَصَالِحِهِ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيْتَةً مِنْ غَيْرِ حَقِّ مُسْلِمٍ فَهِيَ لَهُ» ؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَصَالِحِ الْمِلْكِ فَأُعْطِيَ حُكْمَهُ وَذَكَرَ الْقَاضِي: أَنَّ مُبَاحَ الْمَرَافِقِ لَا يَمْلِكُهَا الْمُحْيِي بِالْإِحْيَاءِ لَكِنْ هُوَ أَحَقُّ بِهَا مِنْ غَيْرِهِ.
(وَلَا يَجُوزُ لِلْإِمَامِ إقْطَاعُ مَا لَا يَجُوزُ إحْيَاؤُهُ) مِمَّا قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ وَتَعَلَّقَ بِمَصَالِحِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْمَمْلُوكِ لِأَهْلِ الْعَامِرِ.
(وَمَا) قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ لَكِنَّهُ (لَا يَتَعَلَّقُ بِمَصَالِحِهِ مِلْكٌ بِإِحْيَاءٍ) كَالْبَعِيدِ عَنْهُ، لِعُمُومِ مَا سَبَقَ، مَعَ انْتِفَاءِ الْمَانِعِ، وَهُوَ التَّعَلُّقُ بِمَصَالِحِ الْعَامِرِ.
(وَلِلْإِمَامِ إقْطَاعُهُ) أَيْ مَا قَرُبَ مِنْ الْعَامِرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute