مُسْلِمٌ وَمَاءُ الْأَنْهَارِ وَالْعُيُونِ وَالْآبَارِ (وَمِنْهُ) أَيْ مِنْ الطَّهُورِ (مَاءُ الْبَحْرِ) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقِ (وَ) مِنْ الطَّهُورِ (مَا اُسْتُهْلِكَ فِيهِ مَائِعٌ طَاهِرٌ) بِحَيْثُ لَمْ يُغَيِّرْ كَثِيرًا مِنْ لَوْنِهِ أَوْ طَعْمِهِ أَوْ رِيحِهِ، كَمَا يُعْلَمُ مِمَّا يَأْتِي فِي أَقْسَامِ الطَّاهِرِ (أَوْ) اُسْتُهْلِكَ فِيهِ (مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ يَسِيرٌ) وَلَمْ يُغَيِّرْهُ، فَهُوَ بَاقٍ عَلَى طَهُورِيَّتِهِ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَسْلُبُهُ اسْمَ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ أَشْبَهَ الْبَاقِي عَلَى خِلْقَتِهِ (فَتَصِحُّ الطَّهَارَةُ بِهِ وَلَوْ كَانَ الْمَاءُ الطَّهُورُ لَا يَكْفِي) لِلطَّهَارَةِ (قَبْلَ الْخَلْطِ) ؛ لِأَنَّ الْمَائِعَ اُسْتُهْلِكَ فِي الْمَاءِ فَسَقَطَ حُكْمُهُ أَشْبَهَ مَا لَوْ كَانَ يَكْفِيهِ فَزَادَهُ مَائِعًا وَتَوَضَّأَ مِنْهُ وَبَقِيَ الْقَدْرُ الْمَائِعُ وَعَنْهُ لَا تَصِحُّ الطَّهَارَةُ بِهِ، اخْتَارَهُ الْقَاضِي فِي الْجَامِعِ وَحَمَلَهُ ابْنُ عَقِيلٍ عَلَى أَنَّ الْمَائِعَ لَمْ يُسْتَهْلَكْ وَفَرَضَ الْخِلَافَ فِي الرِّعَايَتَيْنِ وَالْفُرُوعِ فِي زَوَالِ طَهُورِيَّةِ الْمَاءِ وَعَدَمِهِ، وَرَدَّهُ ابْنُ قُنْدُسٍ فِي حَوَاشِي الْفُرُوعِ بِرَدٍّ حَسَنٍ.
(وَمِنْهُ) أَيْ الطَّهُورِ غَيْرِ الْمَكْرُوهِ مَاءٌ (مُشَمَّسٌ) مُطْلَقًا.
وَمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِعَائِشَةَ وَقَدْ سَخَّنَتْ مَاءً فِي الشَّمْسِ «لَا تَفْعَلِي فَإِنَّهُ يُورِثُ الْبَرَصَ» .
قَالَ النَّوَوِيُّ: هُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ بِاتِّفَاقِ الْمُحَدِّثِينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُهُ مَوْضُوعًا وَكَذَا حَدِيثُ أَنَسٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَا تَغْتَسِلُوا بِالْمَاءِ الَّذِي سُخِّنَ بِالشَّمْسِ فَإِنَّهُ يُعْدِي مِنْ الْبَرَصِ» . قَالَ ابْنُ الْمُنَجَّا: غَيْرُ صَحِيحٍ وَيُعَضِّدُ ذَلِكَ إجْمَاعُ أَهْلِ الطِّبِّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْبَرَصِ وَأَنَّهُ لَوْ أَثَّرَ لَمَا اُخْتُلِفَ بِالْقَصْدِ وَعَدَمِهِ، وَلَمَا اخْتَصَّ تَسْخِينُهُ فِي الْأَوَانِي الْمُنْطَبِعَةِ دُونَ غَيْرِهَا.
(وَ) مِنْهُ (مُتَرَوِّحٌ بِرِيحِ مَيْتَةٍ إلَى جَانِبِهِ) قَالَ فِي الشَّرْحِ وَالْمُبْدِعِ: بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّهُ تَغَيُّرُ مُجَاوَرَةٍ.
(وَ) مِنْهُ (مُسَخَّنٌ بِطَاهِرٍ) كَالْحَطَبِ نَصًّا لِعُمُومِ الرُّخْصَةِ.
وَعَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُسَخَّنُ لَهُ مَاءٌ فِي قُمْقُمٍ فَيَغْتَسِلُ بِهِ رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ.
وَعَنْ ابْن عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَغْتَسِل بِالْحَمِيمِ رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ؛ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ دَخَلُوا الْحَمَّامَ وَرَخَّصُوا فِيهِ قَالَهُ فِي الْمُبْدِعِ، قَالَ: وَمَنْ نَقَلَ عَنْهُ الْكَرَاهَةَ عَلَّلَ بِخَوْفِ مُشَاهَدَةِ الْعَوْرَةِ أَوْ قَصْدِ التَّنْعِيمِ بِهِ.
(وَ) مِنْهُ (مُتَغَيِّرٌ بِمُكْثِهِ) أَيْ الْمَاءِ الْآجِنِ الَّذِي تَغَيَّرَ بِطُولِ إقَامَتِهِ فِي مَقَرِّهِ بَاقٍ عَلَى إطْلَاقِهِ، لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «تَوَضَّأَ بِمَاءٍ آجِنٍ» ؛ وَلِأَنَّهُ تَغَيَّرَ عَنْ غَيْرِ مُخَالَطَةٍ أَشْبَهَ الْمُتَغَيِّرَ بِالْمُجَاوَرَةِ، وَحَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعُ مَنْ يُحْفَظُ قَوْلُهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ سِوَى ابْنِ سِيرِينَ فَإِنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الرِّعَايَةِ.
(أَوْ) أَيْ وَمِنْ الطَّهُورِ مُتَغَيِّرٌ (بِطَاهِرٍ يَشُقُّ صَوْنُ الْمَاءِ عَنْهُ كَنَابِتٍ فِيهِ) أَيْ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute