رَاجِلًا يَدْفَعُ) الْوَصِيُّ (لِكُلِّ وَاحِدٍ قَدْرَ مَا يَحُجَّ بِهِ) مِنْ النَّفَقَةِ (حَتَّى يَنْفَدَ) أَيْ: يَفْرُغَ الْأَلْفُ لِأَنَّهُ وَصَّى بِجَمِيعِهِ فِي جِهَة قُرْبَةٍ فَوَجَبَ صَرْفُهُ فِيهَا، كَمَا لَوْ وَصَّى بِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْفَعَ إلَى وَاحِدٍ أَكْثَرَ مِنْ نَفَقَةِ الْمِثْلِ لِأَنَّهُ أَطْلَقَ التَّصَرُّفَ فِي الْمُعَاوَضَةِ فَاقْتَضَى ذَلِكَ عِوَضَ الْمِثْلِ كَالتَّعْوِيضِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ (فَلَوْ لَمْ يَكْفِ الْأَلْفُ) لِلْحَجِّ حَجَّ بِهِ مِنْ حَيْثُ يَبْلُغُ (أَوْ) صُرِفَ مِنْهُ فِي حَجَّةٍ بَعْدَ أُخْرَى وَبَقِيَ بَقِيَّةٌ وَلَمْ تَكْفِ (الْبَقِيَّةُ) لِلْحَجِّ (حَجَّ بِهِ) أَيْ: الْبَاقِي (مِنْ حَيْثُ يَبْلُغَ) لِأَنَّ الْمُوصِي قَدْ عَيَّنَ صَرْفَ ذَلِكَ فِي الْحَجِّ فَصُرِفَ فِيهِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ.
(وَلَا يَصِحُّ حَجُّ وَصِيٍّ بِإِخْرَاجِهَا) أَيْ: الْأَلْفِ فِي الْحَجِّ (لِأَنَّهُ مُنَفِّذٌ فَهُوَ كَقَوْلِهِ) الْإِنْسَانُ (تَصَدَّقَ عَنِّي) بِكَذَا (لَمْ) يَجُزْ لِلْمَأْمُورِ (أَنْ يَأْخُذَ مِنْهُ) شَيْئًا لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْوَكَالَةِ.
(وَلَا) يَصِحُّ أَيْضًا حَجُّ (وَارِثٍ) لِأَنَّ ظَاهِرَ كَلَامِ الْمُوصِي جَعْلُهُ لِغَيْرِهِ فَإِنْ عَيَّنَ الْمُوصِي أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ الْوَارِثُ بِالنَّفَقَةِ جَازَ (وَيُجْزِئُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ) أَيْ: عَمَّنْ أَوْصَى بِالْحَجِّ وَلَا حَجَّ عَلَيْهِ (مِنْ الْمِيقَاتِ) حَمْلًا عَلَى أَدْنَى الْحَالَاتِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ وُجُوبِ الزَّائِدِ، وَلِأَنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا تَنَاوَلَ الْحَجَّ، وَفِعْلُهُ إنَّمَا هُوَ مِنْ الْمِيقَاتِ، وَقَطْعُ مَا قَبْلَهُ مِنْ الْمَسَافَةِ لَيْسَ مِنْهُ.
(وَإِنْ قَالَ حُجُّوا عَنِّي بِأَلْفٍ وَلَمْ يَقُلْ وَاحِدَةً لَمْ يُحَجَّ عَنْهُ إلَّا حَجَّةٌ وَاحِدَةٌ وَمَا فَضَلَ لِلْوَرَثَةِ) هَكَذَا فِي الْإِنْصَافِ وَهُوَ مُشْكِلٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَلَوْ أَسْقَطَ بِأَلْفٍ لَكَانَ مُوَافِقًا لِنُصُوصِ الْإِمَامِ قَالَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَحَرْبٍ إنْ قَالَ: حُجُّوا عَنِّي وَلَمْ يُسَمِّ دَرَاهِمَ فَمَا فَضَلَ رَدَّهُ إلَيْهِمْ قَالَ الْحَارِثِيُّ: أَمَّا إيجَابُ الْمِثْلِ فَلِأَنَّ الْإِطْلَاقَ يَقْتَضِيهِ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ.
وَأَمَّا أَنَّ الْفَضْلَ لِلْوَارِثِ فَلِحُصُولِ الْمُوصَى بِهِ وَهُوَ الْحَجُّ وَالْإِنْفَاقُ فِيهِ فَوَجَبَ كَوْنُهُ لِلْوَارِثِ وَأَمَّا وُجُوبُ حَجَّةٍ وَاحِدَةٍ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ فَلِأَنَّ اللَّفْظَ إنَّمَا اقْتَضَى وُجُودَ الْمَاهِيَّةِ وَهُوَ حَاصِلٌ بِالْمَرَّةِ وَالْأَصْلُ عَدَمُ إرَادَةِ الْمُوصِي الزِّيَادَةَ انْتَهَى.
وَيُمْكِنُ تَخْرِيجُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ عَلَى اخْتِيَارِ أَبِي مُحَمَّدٍ الْجَوْزِيِّ أَنَّهُ إنْ أَوْصَى بِأَلْفٍ يُحَجُّ بِهَا يُصْرَفُ فِي كُلِّ حَجَّةٍ قَدْرُ نَفَقَةٍ حَتَّى يَنْفَدَ وَلَوْ قَالَ: حُجُّوا عَنِّي بِأَلْفٍ فَمَا فَضَلَ لِلْوَرَثَةِ، لَكِنَّ صَاحِبَ الْإِنْصَافِ حَكَاهُ مُقَابِلًا لِمَا قَدَّمَ أَنَّهُ الصَّحِيحُ.
(وَإِنْ قَالَ) حُجُّوا عَنِّي (حَجَّةً بِأَلْفٍ دُفِعَ إلَى مَنْ يَحُجَّ عَنْهُ) حَجَّةً وَاحِدَةً بِمُقْتَضَى وَصِيَّتِهِ وَتَنْفِيذًا لَهَا (فَإِنْ عَيَّنَهُ) الْمُوصِي (أَوَّلًا فِي الْوَصِيَّةِ فَقَالَ: يَحُجُّ عَنِّي فُلَانٌ) حَجَّةً (بِأَلْفٍ فَهُوَ وَصِيَّةٌ لَهُ إنْ حَجَّ) وَلَهُ أَخْذُهُ قَبْلَ التَّوَجُّهِ لِأَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي التَّجَهُّزِ بِهِ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ الْأَخْذُ قَبْلَهُ لَكِنْ لَا يَمْلِكُهُ بِالْأَخْذِ لِأَنَّ الْمَالَ جُعِلَ لَهُ عَلَى صِفَةٍ فَلَا يُمْلَكُ بِدُونِ تِلْكَ الصِّفَةِ فَلَا يَضْمَنُهُ إنْ تَلِفَ أَوْ ضَاعَ بِلَا تَفْرِيطَ (وَلَا يُعْطَى) الْمَالُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute