للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَهُوَ قِسْمَانِ، الْأَوَّلُ: (مَنْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ وَلَوْ) كَانَ (عَبْدًا لِغَيْبَةٍ ظَاهِرُهَا السَّلَّامَةُ، كَأَسْرٍ) فَإِنَّ الْأَسِيرَ مَعْلُومٌ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ غَيْرُ مُتَمَكِّنٍ مِنْ الْمَجِيءِ إلَى أَهْلِهِ (وَتِجَارَةٍ) فَإِنَّ التَّاجِرَ قَدْ يَشْتَغِلُ بِتِجَارَتِهِ عَنْ الْعَوْدَةِ إلَى أَهْلِهِ (وَسِيَاحَةٍ) فَإِنَّ السَّائِحَ قَدْ يَخْتَارُ الْمُقَامَ بِبَعْضِ الْبِلَادِ النَّائِيَةِ عَنْ بَلَدِهِ.

(وَ) الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَنَحْوِهَا كَ (طَلَبِ عِلْمٍ) السَّلَامَةُ (انْتَظِرْ بِهِ تَتِمَّةَ تِسْعِينَ سَنَةً مُنْذُ وُلِدَ) لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ أَكْثَرَ مِنْ هَذَا وَهَذَا الْمَذْهَبُ نَصَّ عَلَيْهِ وَصَحَّحَهُ فِي الْمُذْهَبِ وَغَيْرِهِ وَعَنْهُ يُنْتَظَرُ بِهِ حَتَّى يُتَيَقَّنَ مَوْتُهُ أَوْ تَمْضِيَ عَلَيْهِ مُدَّةٌ لَا يَعِيشُ فِي مِثْلِهَا وَذَلِكَ مَرْدُودٌ إلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَأَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ حَيَاتُهُ (فَإِنْ فُقِدَ ابْنُ تِسْعِينَ اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ) فِي تَقْدِيرِ مُدَّةِ انْتِظَارِهِ.

الْقِسْمُ الثَّانِي مَنْ انْقَطَعَ خَبَرُهُ لِغَيْبَةٍ ظَاهِرُهَا الْهَلَاكُ وَهُوَ الْمُشَارُ إلَيْهِ بِقَوْلِهِ:

(وَإِنْ كَانَ غَالِبُهَا) أَيْ غَالِبُ أَحْوَالِ غَيْبَتِهِ (الْهَلَاكَ، كَمَنْ غَرَقَ مَرْكَبُهُ فَسَلِمَ قَوْمٌ دُونَ قَوْمٍ، أَوْ فُقِدَ مِنْ بَيْنِ أَهْلِهِ، كَمَنْ يَخْرُجُ إلَى الصَّلَاةِ) فَلَا يَعُودُ (أَوْ) يَخْرُجُ (إلَى حَاجَةٍ قَرِيبَةٍ فَلَا يَعُودُ، أَوْ) فُقِدَ (فِي مَفَازَةٍ مَهْلَكَةٍ، كَمَفَازَةِ الْحِجَازِ) قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: مَهْلَكَةٍ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَاللَّامِ، وَيَجُوزُ كَسْرُهُمَا حَكَاهُمَا أَبُو السَّعَادَاتِ، وَيَجُوزُ ضَمُّ الْمِيمِ مَعَ كَسْرِ اللَّامِ اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ أَهْلَكَتْ فَهِيَ مُهْلِكَةٌ، وَهِيَ أَرْضٌ يَكْثُرُ فِيهَا الْهَلَاكُ انْتَهَى.

وَتَسْمِيَتُهَا مَفَازَةً تَفَاؤُلًا (أَوْ) فُقِدَ (بَيْنَ الصَّفَّيْنِ حَالَ الْتِحَامِ الْقِتَالِ اُنْتُظِرَ تَمَامُ أَرْبَعِ سِنِينَ مُنْذُ فُقِدَ؛) لِأَنَّهَا مُدَّةٌ يَتَكَرَّرُ فِيهَا تَرَدُّدُ الْمُسَافِرِينَ وَالتُّجَّارِ، فَانْقِطَاعُ خَبَرِهِ عَنْ أَهْلِهِ مَعَ غَيْبَتِهِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ يُغَلِّبُ ظَنَّ الْهَلَاكِ إذْ لَوْ كَانَ بَاقِيًا لَمْ يَنْقَطِعْ خَبَرُهُ إلَى هَذِهِ الْغَايَةِ؛ فَلِذَلِكَ حُكِمَ بِمَوْتِهِ فِي الظَّاهِرِ (فَإِنْ لَمْ يُعْلَمْ خَبَرُهُ) بَعْدَ التِّسْعِينَ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ أَوْ الْأَرْبَعِ فِي الْقِسْمِ الثَّانِي (قُسِمَ مَالُهُ) بَيْنَ وَرَثَتِهِ (وَاعْتَدَّتْ امْرَأَةٌ عِدَّةَ الْوَفَاةِ وَحَلَّتْ لِلْأَزْوَاجِ) لِاتِّفَاقِ الصَّحَابَةِ عَلَى ذَلِكَ (وَيَأْتِي) ذَلِكَ (فِي الْعِدَدِ) مُوَضَّحًا (وَيُزَكَّى مَالُهُ لِمَا مَضَى قَبْلَ قَسْمِهِ) ؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ حَقٌّ وَاجِبٌ فِي الْمَالِ، فَيَلْزَمُ أَدَاؤُهَا.

(وَلَا يَرِثُهُ) أَيْ الْمَفْقُودَ (إلَّا الْأَحْيَاءُ مِنْ وَرَثَتِهِ وَقْتَ قَسْمِ مَالِهِ) وَهُوَ عِنْدَ تَتِمَّةِ الْمُدَّةِ مِنْ التِّسْعِينَ، أَوْ الْأَرْبَعِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ؛ لِمَا سَبَقَ أَنَّ مِنْ شُرُوطِ الْإِرْثِ: تَحَقُّقَ حَيَاةِ الْوَارِثِ عِنْدَ مَوْتِ الْمَوْرُوثِ، وَهَذَا الْوَقْتُ بِمَنْزِلَةِ وَقْتِ مَوْتِهِ.

وَ (لَا) يَرِثُ مِنْ الْمَفْقُودِ (مَنْ مَاتَ) مِنْ وَرَثَتِهِ (قَبْلَ ذَلِكَ) أَيْ الْوَقْتِ الَّذِي يُقْسَمُ مَالُهُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَنْ مَاتَ فِي حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّهَا الْأَصْلُ

<<  <  ج: ص:  >  >>