وَخُصَّتْ الرَّقَبَةُ وَإِنْ تَنَاوَلَ الْعِتْقُ جَمِيعَ الْبَدَنِ، لِأَنَّ مِلْكَ السَّيِّدِ لَهُ كَالْغُلِّ فِي رَقَبَتِهِ الْمَانِعُ لَهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فَإِذَا عَتَقَ صَارَ كَأَنَّ رَقَبَتَهُ أُطْلِقَتْ مِنْ ذَلِكَ يُقَالُ: عَتَقَ الْعَبْدُ وَأَعْتَقْته، فَهُوَ عَتِيقٌ وَمُعْتَقٌ وَهُمْ عُتَقَاءُ، وَأَمَةٌ عَتِيقٌ وَعَتِيقَةٌ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى صِحَّتِهِ وَحُصُولِ الْقُرْبَةِ بِهِ وَسَنَدُهُ مِنْ الْكِتَابِ: قَوْله تَعَالَى {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [النساء: ٩٢] (١) وَقَوْلُهُ {فَكُّ رَقَبَةٍ} [البلد: ١٣] (٢) وَمِنْ السُّنَّةِ حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَعْتَقَ اللَّهُ بِكُلِّ إرْبٍ مِنْهَا إرْبًا مِنْهُ مِنْ النَّارِ حَتَّى أَنَّهُ لَيَعْتِقُ الْيَدُ بِالْيَدِ وَالرِّجْلُ بِالرِّجْلِ وَالْفَرْجُ بِالْفَرْجِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي أَخْبَارٍ كَثِيرَةٍ سِوَى هَذَا (وَهُوَ) أَيْ الْعِتْقُ (مِنْ أَفْضَلِ الْقُرَبِ) لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَهُ كَفَّارَةً لِلْقَتْلِ وَالْوَطْءِ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ، وَكَفَّارَةً لِلْأَيْمَانِ وَجَعَلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِكَاكًا لِمُعْتِقِهِ مِنْ النَّارِ وَلِأَنَّ فِيهِ تَخْلِيصَ الْآدَمِيِّ الْمَعْصُومِ مِنْ ضَرَرِ الرِّقِّ وَمِلْكَهُ نَفْسَهُ وَمَنَافِعَهُ، وَتَكْمِيلُ أَحْكَامِهِ وَتَمْكِينُهُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِي نَفْسِهِ وَمَنَافِعِهِ عَلَى حَسَبِ إرَادَتِهِ وَاخْتِيَارِهِ وَفِي التَّبْصِرَةِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ: هُوَ أَحَبُّهَا إلَى اللَّهِ تَعَالَى.
(وَأَفْضَلُ الرِّقَابِ) لِمَنْ أَرَادَ الْعِتْقَ (أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا) أَيْ أَعْظَمُهَا وَأَعَزُّهَا فِي نَفْسِ أَهْلِهَا (وَأَغْلَاهَا ثَمَنًا) نَقَلَهُ الْجَمَاعَةُ عَنْ أَحْمَدَ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: فَظَاهِرُهُ وَلَوْ كَافِرَةً وِفَاقًا لِمَالِكٍ وَخَالَفَهُ أَصْحَابُهُ وَلَعَلَّهُ مُرَادُ أَحْمَدَ، لَكِنْ يُثَابُ عَلَى عِتْقِهِ قَالَ فِي الْفُنُونِ: لَا يَخْتَلِفُ النَّاسُ فِيهِ وَاحْتَجَّ بِهِ وَبِرِقِّ الذُّرِّيَّةِ عَلَى أَنَّ الرِّقَّ لَيْسَ بِعُقُوبَةٍ بَلْ مِحْنَةٌ وَبَلْوَى (وَعِتْقُ الذَّكَرِ وَلَوْ لِأُنْثَى) أَيْ وَلَوْ كَانَ مُعْتِقُ الذَّكَرِ أُنْثَى (أَفْضَلُ مِنْ عِتْقِ الْأُنْثَى) لِفَضْلِ الذَّكَرِ عَلَى الْأُنْثَى (وَهُمَا) أَيْ الذَّكَرُ وَالْأُنْثَى (فِي الْفِكَاكِ مِنْ النَّارِ إذَا كَانَا مُؤْمِنَيْنِ سَوَاءٌ) لِعُمُومِ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً» - الْحَدِيثَ " وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يَحْصُلُ الْفِكَاكُ مِنْهَا بِعِتْقِ الرَّقَبَةِ الْكَافِرَةِ لِلْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ، وَإِنْ قُلْنَا يُثَابُ عَلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَالتَّعَدُّدُ فِي الْعِتْقِ) وَلَوْ مِنْ إنَاثٍ (أَفْضَلُ مِنْ عِتْقِ الْوَاحِدِ) وَلَوْ ذَكَرًا (بِذَلِكَ الْمَالِ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَخْلِيصِ عَدَدٍ مَعْصُومٍ مِنْ ضَرَرِ الرِّقِّ.
(وَيُسْتَحَبُّ عِتْقُ) مَنْ لَهُ كَسْبٌ وَدِينٌ لِانْتِفَاعِهِ بِمِلْكِ كَسْبِهِ بِالْعِتْقِ (وَ) يُسْتَحَبُّ (كِتَابَةُ مَنْ لَهُ كَسْبٌ وَدِينٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: ٣٣] وَلِانْتِفَاعِهِ بِمِلْكِ كَسْبِهِ بِالْعِتْقِ.
(وَيُكْرَهُ عِتْقُ مَنْ لَا قُوَّةَ لَهُ وَلَا كَسْبٌ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute