فَلَا يُكْتَفَى فِيهِ بِالنِّيَّةِ الْمُجَرَّدَةِ كَالطَّلَاقِ (فَأَمَّا الْقَوْلُ ف) لَهُ صَرِيحٌ وَكِنَايَةٌ وَ (صَرِيحُهُ لَفْظُ الْعِتْقِ وَ) لَفْظُ (الْحُرِّيَّةِ) لِأَنَّهُمَا لَفْظَانِ وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِمَا فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُمَا (كَيْفَ صُرِفَا، نَحْوَ) قَوْلِهِ لِرَقِيقِهِ (أَنْتَ حُرٌّ، أَوْ) أَنْتَ (مُحَرَّرٌ) أَوْ حَرَّرْتُك (أَوْ) أَنْتَ (عَتِيقٌ أَوْ مُعْتَقٌ أَوْ) قَالَ لَهُ (أَنْتَ حُرٌّ فِي هَذَا الزَّمَانِ أَوْ) أَنْتَ حُرٌّ فِي هَذَا (الْمَكَانِ) أَوْ فِي هَذَا الْبَلَدِ فَيُعْتَقُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ إذَا أُعْتِقَ فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَان لَا يَعُودُ رَقِيقًا فِي غَيْرِهِمَا (أَوْ) قَالَ لِرَقِيقِهِ (أَعْتَقْتُك) فَيُعْتَقُ فِي جَمِيعِ مَا تَقَدَّمَ.
(وَلَوْ) كَانَ (هَازِلًا) كَالطَّلَاقِ (وَلَوْ تَجَرَّدَ) مَا سَبَقَ مِنْ لَفْظِ الصَّرِيحِ (عَنْ النِّيَّةِ) قَالَ أَحْمَدُ فِي رَجُلٍ لَقِيَ امْرَأَةً فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ: تَنَحِّي يَا حُرَّةُ فَإِذَا هِيَ جَارِيَتُهُ قَالَ: قَدْ عَتَقَتْ عَلَيْهِ وَقَالَ فِي رَجُلٍ قَالَ لِخَدَمٍ قِيَامٍ فِي وَلِيمَةٍ: مُرُّوا أَنْتُمْ أَحْرَارٌ وَكَانَ فِيهِمْ أُمُّ وَلَدٍ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا قَالَ: هَذَا بِهِ عِنْدِي تُعْتَقُ أُمُّ وَلَدِهِ.
وَ (لَا) يَصِحُّ الْعِتْقُ (مِنْ نَائِمٍ وَنَحْوِهِ) كَمُغْمًى عَلَيْهِ وَمُبَرْسَمٍ لِأَنَّهُمْ لَا يَعْقِلُونَ مَا يَقُولُونَ قَالَ فِي الْفَائِقِ قُلْت نِيَّةُ قَصْدِ اللَّفْظِ مُعْتَبَرَةٌ تَحَرُّزًا مِنْ النَّائِمِ وَنَحْوِهِ وَلَا تُعْتَبَرُ نِيَّةُ النَّفَاذِ وَلَا نِيَّةُ الْقُرْبَةِ فَيَقَعُ عِتْقُ الْهَازِلِ انْتَهَى وَمَعْنَى قَوْلِهِ: نِيَّةُ قَصْدِ اللَّفْظِ أَيْ إرَادَةُ لَفْظِهِ لِمَعْنَاهُ فَلَا عَتَاقَ لِحَاكٍ وَفَقِيهٍ يُكَرِّرُهُ وَنَائِمٍ وَنَحْوِهِ، كَمَا يَأْتِي فِي الطَّلَاقِ.
وَاسْتَثْنَى مِنْ التَّصَرُّفِ لَفْظَ الْعِتْقِ وَالْحُرِّيَّةُ ثَلَاثَةُ أَلْفَاظٍ ذَكَرَهَا بِقَوْلِهِ (غَيْرَ أَمْرٍ وَمُضَارِعٍ وَاسْمِ فَاعِلٍ) فَمَنْ قَالَ لِرَقِيقِهِ حَرِّرْهُ أَوْ أَعْتِقْهُ، أَوْ أُحَرِّرُهُ أَوْ أُعْتِقُهُ، أَوْ هَذَا مُحَرِّرٌ بِكَسْرِ الرَّاءِ، أَوْ هَذَا مُعْتِقٌ بِكَسْرِ التَّاءِ لَمْ يُعْتَقْ بِذَلِكَ لِأَنَّ ذَلِكَ طَلَبٌ وَوَعْدٌ وَخَبَرٌ عَنْ غَيْرِهِ فَلَا يَكُونُ وَاحِدٌ مِنْهَا صَالِحًا لِلْإِنْشَاءِ وَلَا إخْبَارَ عَنْ نَفْسِهِ فَيُؤَاخَذُ بِهِ فَإِنْ قَالَ: أَنْتَ عَاتِقٌ، فَقِيَاسُ مَا يَأْتِي فِي الطَّلَاقِ يُعْتَقُ بِذَلِكَ.
(وَإِنْ) قَالَ لِرَقِيقِهِ أَنْتَ حُرٌّ، وَ (قَصَدَ بِلَفْظِ الْحُرِّيَّةِ عِفَّتَهُ وَكَرَمَ أَخْلَاقِهِ) لَمْ يُعْتَقْ (أَوْ) قَصَدَ (بِقَوْلِهِ) لِرَقِيقِهِ (مَا أَنْتَ إلَّا حُرٌّ) غَيْرَ مَعْنَاهُ كَأَنْ (يُرِيدَ بِهِ عَدَمَ طَاعَتِهِ وَنَحْوَ ذَلِكَ لَمْ يُعْتَقْ) قَالَ حَنْبَلٌ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَجُلٍ قَالَ لِغُلَامِهِ: أَنْتَ حُرٌّ، وَلَا يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ حُرًّا، أَوْ كَلَامٌ شِبْهُ هَذَا: رَجَوْت أَنْ لَا يُعْتَقَ وَأَنَا أَهَابُ الْمَسْأَلَةَ لِأَنَّهُ نَوَى بِكَلَامِهِ مَا يَحْتَمِلُهُ فَانْصَرَفَ إلَيْهِ وَبَيَانُ احْتِمَالِ اللَّفْظِ لِمَا أَرَادَهُ أَنَّ الْمَرْأَةَ الْحُرَّةَ تُمْدَحُ بِمِثْلِ هَذَا يُقَالُ امْرَأَةٌ حُرَّةٌ، يَعْنُونَ عَفِيفَةً وَتُمْدَحُ الْمَمْلُوكَةُ أَيْضًا بِذَلِكَ وَيُقَالُ لِكَرِيمِ الْأَخْلَاقِ حُرٌّ قَالَتْ سُبَيْعَةُ تُرْثِي عَبْدَ الْمُطَّلِبِ:
وَلَا تَسْأَمَا أَنْ تَبْكِيَا كُلَّ لَيْلَةٍ ... وَيَوْمٍ عَلَى حُرٍّ كَرِيمِ الشَّمَائِلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute