الْمُكَاتَبُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ (قِيلَ لِلسَّيِّدِ: إمَّا أَنْ تَقْبِضَهُ وَإِمَّا أَنْ تُبْرِئَهُ لِيُعْتَقَ) لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ مَلَكَهُ (فَإِنْ قَبَضَهُ) السَّيِّدُ (وَكَانَ تَمَامَ كِتَابَتِهِ عَتَقَ الْعَبْدُ) لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الظَّاهِرِ (وَلَمْ يُمْنَعْ السَّيِّدُ مِنْ التَّصَرُّفِ فِيهِ) أَيْ فِيمَا قَبَضَهُ.
وَقَالَ هُوَ حَرَامٌ أَوْ غَصْبٌ (إنْ لَمْ يُقِرَّ بِهِ لِأَحَدٍ) مُعَيَّنٍ لِعَدَمِ صِحَّةِ الْإِقْرَارِ إذَنْ (وَعَلَيْهِ إثْمُهُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ) فَلَا يَجُوزُ لَهُ التَّصَرُّفُ بَاطِنًا فِيهِ إذَا عَلِمَهُ حَرَامًا (وَإِنْ ادَّعَى) السَّيِّدُ (أَنَّهُ) أَيْ الْمُكَاتَبَ (غَصَبَهُ مِنْ فُلَانٍ) أَوْ سَرَقَهُ مِنْهُ وَنَحْوَهُ (لَزِمَهُ) أَيْ السَّيِّدَ (دَفْعُهُ إلَيْهِ) أَيْ إلَى الْمُقِرِّ لَهُ بِهِ إنْ صَدَّقَهُ مُؤَاخَذَةً لَهُ بِإِقْرَارِهِ.
(فَإِنْ أَبْرَأَهُ) أَيْ أَبْرَأَ السَّيِّدُ مُكَاتَبَهُ (مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ لَمْ يَلْزَمْهُ قَبْضُهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ حَقٌّ) حَتَّى يَلْزَمَهُ أَخْذُهُ.
(وَإِنْ لَمْ يُبْرِئْهُ) السَّيِّدُ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ (وَلَمْ يَقْبِضْهُ) أَيْ الْمَالَ الَّذِي أَحْضَرَهُ لَهُ وَقَالَ السَّيِّدُ: إنَّهُ حَرَامٌ وَلَمْ يَقُمْ بِهِ بَيِّنَةٌ وَحَلَفَ الْمُكَاتَبُ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَرَامٍ (كَانَ لَهُ) أَيْ الْمُكَاتَبِ (دَفْعُ ذَلِكَ) الْمَالِ (إلَى الْحَاكِمِ لِيَنُوبَ الْحَاكِمُ فِي قَبْضِهِ عَنْهُ) أَيْ عَنْ السَّيِّدِ، لِأَنَّ الْحَاكِمَ يَقُومُ مَقَامَ الْمُمْتَنِعِ بِغَيْرِ حَقٍّ (وَيُعْتَقُ الْعَبْدُ) بِأَخْذِ الْحَاكِمِ ذَلِكَ مِنْهُ كَمَا لَوْ أَخَذَهُ السَّيِّدُ.
(وَلَا بَأْسَ أَنْ يُعَجِّلَ الْمُكَاتَبُ لِسَيِّدِهِ) مَالَ الْكِتَابَةِ قَبْلَ حُلُولِ أَجَلِهِ (وَيَضَعَ عَنْهُ) السَّيِّدُ (بَعْضَ كِتَابَتِهِ) مِثْلُ أَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى أَلْفٍ فِي نَجْمَيْنِ إلَى سَنَةٍ، ثُمَّ يَقُولَ لَهُ عَجِّلْ خَمْسَمِائَةٍ حَتَّى أَضَعَ عَنْك الْبَاقِي أَيْ أُسْقِطَهُ، أَوْ قَالَ: صَالِحْنِي مِنْهُ عَلَى خَمْسِمِائَةٍ مُعَجَّلَةٍ جَازَ ذَلِكَ لِأَنَّ دَيْنَ الْكِتَابَةِ غَيْرُ مُسْتَقِرٍّ وَلَيْسَ بِدِينٍ صَحِيحٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ عَلَى أَدَائِهِ وَلَا تَصِحُّ الْكَفَالَةُ بِهِ وَمَا يُؤَدِّيه إلَى سَيِّدِهِ كَسْبُ عَبْدِهِ، وَإِنَّمَا جَعَلَ الشَّرْعُ هَذَا الْعَقْدَ وَسِيلَةً إلَى الْعِتْقِ وَوَاجِبٌ فِيهِ التَّأْجِيلُ مُبَالَغَةً فِي تَحْصِيلِ الْعِتْقِ وَتَخْفِيفًا عَنْ الْمُكَاتَبِ فَإِذَا أَمْكَنَهُ التَّعْجِيلُ عَلَى وَجْهٍ يَسْقُطُ بِهِ عَنْهُ بَعْضُ مَا عَلَيْهِ كَانَ أَبْلَغَ فِي حُصُولِ الْعِتْقِ وَأَخَفَّ عَلَى الْعَبْدِ وَبِهَذَا فَارَقَ سَائِرَ الدُّيُونِ وَيُفَارِقُ الْأَجَانِبَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ عَبْدُهُ، فَهُوَ أَشْبَهُ بِعَبْدِهِ الْقِنِّ.
(وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى زِيَادَةِ الْأَجَلِ وَالدَّيْنِ) مِثْل أَنْ يُكَاتِبَهُ عَلَى أَلْفٍ فِي نَجْمَيْنِ إلَى سَنَةٍ يُؤَدِّي نِصْفَهَا فِي نِصْفِ السَّنَةِ وَالْبَاقِي فِي آخِرِهَا ثُمَّ جَعَلَاهَا إلَى سَنَتَيْنِ بِأَلْفٍ وَمِائَتَيْنِ فِي كُلِّ سَنَةٍ سِتُّمِائَةٍ، أَوْ يَحِلُّ عَلَيْهِ نَجْمٌ فَيَقُولُ: أَخِّرْنِي إلَى كَذَا وَأَزِيدُك كَذَا (لَمْ يَجُزْ) لِأَنَّ هَذَا يُشْبِهُ رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ الْمُحَرَّمِ، وَلِأَنَّ الْمُؤَجَّلَ إلَى وَقْتٍ لَا يَتَأَخَّرُ أَجَلُهُ عَنْ وَقْتِهِ بِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ، وَلَا يَتَغَيَّرُ أَجَلُهُ بِتَغْيِيرِهِ وَإِذَا لَمْ يَتَأَخَّرْ عَنْ وَقْتِهِ لَمْ تَصِحَّ الزِّيَادَةُ الَّتِي فِي مُقَابَلَتِهِ وَلِأَنَّهُ يَأْخُذُ أَكْثَرَ مِمَّا وَقَعَ عَلَيْهِ الْعَقْدُ بِخِلَافِهِ فِي الْأُولَى.
(وَإِذَا دَفَعَ) الْمُكَاتَبُ أَوْ غَيْرُهُ (إلَى السَّيِّدِ مَالَ الْكِتَابَةِ ظَاهِرًا فَقَالَ لَهُ السَّيِّدُ أَنْتَ حُرٌّ، أَوْ قَالَ) بَعْدَ الدَّفْعِ إلَيْهِ (هَذَا حُرٌّ ثُمَّ بَانَ الْعِوَضُ مُسْتَحَقًّا) لِغَيْرِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute