وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّكْلِيفِ أَشْبَهَ الطِّفْلَ: وَظَاهِرُهُ وَلَوْ اتَّصَلَ جُنُونُهُ بِرِدَّتِهِ كَالْحَيْضِ وَقَدَّمَ فِي الْمُبْدِعِ: يَجِبُ قَضَاءُ أَيَّامِ الْجُنُونِ الْوَاقِعَةِ فِي الرِّدَّةِ، لِأَنَّ إسْقَاطَ الْقَضَاءِ عَنْ الْمَجْنُونِ رُخْصَةٌ وَالْمُرْتَدُّ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهَا (وَلَا تَصِحُّ) الصَّلَاةُ (مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الْمَجْنُونِ؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِهَا النِّيَّةَ وَلَا تُمْكِنُ مِنْهُ (وَلَا قَضَاءَ) عَلَى الْمَجْنُونِ إذَا أَفَاقَ، لِعَدَمِ لُزُومِهَا لَهُ (وَكَذَا الْأَبْلَهُ الَّذِي لَا يُفِيقُ) ذَكَرَهُ السَّامِرِيُّ وَغَيْرُهُ كَالْمَجْنُونِ يُقَالُ: بَلِهَ بَلَهًا، كَتَعِبَ، وَتَبَالَهَ: أَرَى مِنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ وَلَيْسَ بِهِ وَيُقَالُ: الْأَبْلَهُ أَيْضًا لِمَنْ غَلَبَتْ عَلَيْهِ سَلَامَةُ الصَّدْرِ.
وَفِي الْحَدِيثِ «أَكْثَرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْبُلْهُ» قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: يَعْنِي الْبُلْهَ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا، لِقِلَّةِ اهْتِمَامِهِمْ بِهَا، وَهُمْ أَكْيَاسٌ فِي أَمْرِ الْآخِرَةِ.
(وَإِنْ أَذَّنَ) كَافِرٌ يَصِحُّ إسْلَامُهُ، حُكِمَ بِهِ لِاشْتِمَالِ الْأَذَانِ عَلَى الشَّهَادَتَيْنِ (أَوْ صَلَّى فِي أَيِّ حَالٍ، أَوْ) أَيِّ (مَحَلٍّ كَافِرٌ يَصِحُّ إسْلَامُهُ) كَالْمُمَيِّزِ (حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ) لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «مَنْ صَلَّى صَلَاتَنَا وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا فَلَهُ مَا لَنَا وَعَلَيْهِ مَا عَلَيْنَا» لَكِنْ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ مَوْقُوفًا مِنْ قَوْلِهِ حِينَ سَأَلَهُ مَيْمُونُ بْنُ شياه فَقَالَ «مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا وَصَلَّى صَلَاتَنَا وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا فَهُوَ الْمُسْلِمُ لَهُ مَا لِلْمُسْلِمِ وَعَلَيْهِ مَا عَلَى الْمُسْلِمِ» .
وَرَوَى أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ الْمُصَلِّينَ» وَظَاهِرُهُ: أَنَّ الْعِصْمَةَ تَثْبُتُ بِالصَّلَاةِ، وَهِيَ لَا تَكُونُ بِدُونِ الْإِسْلَامِ، وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَخْتَصُّ شَرْعَنَا، أَشْبَهَتْ الْأَذَانَ.
وَيُحْكَمُ بِكُفْرِ مَنْ سَجَدَ لِصَنَمٍ فَكَذَا عَكْسُهُ (وَيَأْتِي) فِي بَابِ الْمُرْتَدِّ بَيَانُ مَنْ يَصِحُّ إسْلَامُهُ، وَبَيَانُ أَنَّهُ يُحْكَمُ بِالْإِسْلَامِ بِالصَّلَاةِ (وَلَا تَصِحُّ صَلَاتُهُ) أَيْ: الْكَافِرِ (ظَاهِرًا) لِفَقْدِ شَرْطِهَا وَهُوَ الْإِسْلَامُ، فَيُؤْمَرُ بِإِعَادَتِهَا.
وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ قَدْ أَسْلَمَ ثُمَّ تَوَضَّأَ وَصَلَّى بِنِيَّةٍ صَحِيحَةٍ، فَصَلَاتُهُ صَحِيحَةٌ (وَلَا يُعْتَدُّ بِأَذَانِهِ) فَلَا يَسْقُطُ بِهِ فَرْضُ الْكِفَايَةِ، لِاشْتِرَاطِ النِّيَّةِ فِيهِ، وَعَدَمِ صِحَّتِهَا مِنْ كَافِرٍ وَمَعْنَى الْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ بِمَا ذُكِرَ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ عَقِبَ الصَّلَاةِ أَوْ الْأَذَانِ، فَتَرِكَتُهُ لِأَقَارِبِهِ الْمُسْلِمِينَ، دُونَ الْكُفَّارِ وَيُدْفَنُ فِي مَقَابِرِنَا وَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ الْبَقَاءَ عَلَى الْكُفْرِ، وَقَالَ إنَّمَا صَلَّيْت، أَوْ إنَّمَا أَذَّنْت مُتَلَاعِبًا، أَوْ مُسْتَهْزِئًا لَمْ يُقْبَلْ مِنْهُ كَمَا لَوْ أَتَى بِالشَّهَادَتَيْنِ، ثُمَّ قَالَ لَمْ أُرِدْ الْإِسْلَامَ (وَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِإِخْرَاجِ زَكَاةِ مَالِهِ وَحَجِّهِ وَلَا بِصَوْمِهِ قَاصِدًا رَمَضَانَ) لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ كَانُوا يَحُجُّونَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ حَتَّى نَزَلَ قَوْلُهُ {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} [التوبة: ٢٨]- الْآيَةَ وَلَمْ يُحْكَمْ بِإِسْلَامِهِمْ بِذَلِكَ وَكَذَا بَاقِي الْعِبَادَاتِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute