وَلْيَحْذَرْ الْعَاقِلُ إطْلَاقَ الْبَصَرِ، فَإِنَّ الْعَيْنَ تَرَى غَيْرَ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ عَلَى غَيْرِ مَا هُوَ عَلَيْهِ وَرُبَّمَا وَقَعَ مِنْ ذَلِكَ الْعِشْقُ فَيَهْلَكُ الْبَدَنُ وَالدِّينُ وَلَا يَسْأَلُ عَنْ دِينِهَا حَتَّى يُحْمَدَ لَهُ جَمَالُهَا.
(وَيُسَنُّ) لِمَنْ أَرَادَ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إجَابَتُهُ: النَّظَرُ جَزَمَ بِهِ الْحَلْوَانِيُّ وَابْنُ عَقِيلٍ وَصَاحِبُ التَّرْغِيبِ وَغَيْرُهُمْ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: وَهُوَ الصَّوَابُ قَالَ الزَّرْكَشِيّ وَجَعَلَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ مُسْتَحَبًّا وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ (وَقَالَ الْأَكْثَرُ يُبَاحُ) جَزَمَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ وَالْمَذْهَبِ وَالْمُسْتَوْعَبِ وَالْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالرِّعَايَتَيْنِ وَالْحَاوِي الصَّغِيرِ وَالْفَائِقِ وَغَيْرِهِمْ وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ وَتَجْرِيدِ الْعِنَايَةِ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: هَذَا الْمَذْهَبُ (لِوُرُودِهِ) أَيْ الْأَمْرِ بِالنَّظَرِ (بَعْدَ الْحَظْرِ) أَيْ الْمَنْعِ.
رَوَى الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ أَنَّهُ خَطَبَ امْرَأَةً فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اُنْظُرْ إلَيْهَا، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد قَالَ فِي النِّهَايَةِ: يُقَالُ أَدَم اللَّهُ بَيْنَكُمَا يَأْدِمُ أَدْمًا بِالسُّكُونِ أَيْ أَلَّفَ وَوَفَّقَ (لِمَنْ أَرَادَ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ) بِكَسْرِ الْخَاءِ (وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ إجَابَتُهُ النَّظَرُ وَيُكَرِّرُهُ) أَيْ النَّظَرَ (وَيَتَأَمَّلُ الْمَحَاسِنَ وَلَوْ بِلَا إذْنٍ) إنْ أَمِنَ الشَّهْوَةَ مِنْ الْمَرْأَةِ (وَلَعَلَّهُ) أَيْ عَدَمُ الْإِذْنِ (أَوْلَى) لِحَدِيثِ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا إلَى مَا يَدْعُوهُ إلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ قَالَ فَخَطَبْتُ جَارِيَةً مِنْ بَنِي سَلَمَةَ فَكُنْتُ أَتَخَبَّأُ لَهَا حَتَّى رَأَيْتُ مِنْهَا بَعْضَ مَا دَعَانِي إلَى نِكَاحِهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد (إنْ أَمِنَ) الَّذِي أَرَادَ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ (الشَّهْوَةَ) أَيْ ثَوَرَانَهَا مِنْ غَيْرِ خَلْوَةٍ (إلَى مَا يَظْهَرُ مِنْهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ (غَالِبًا كَوَجْهٍ وَرَقَبَةٍ وَيَدٍ وَقَدَمٍ) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا أَذِنَ فِي النَّظَرِ إلَيْهَا مِنْ غَيْرِ عِلْمِهَا عُلِمَ أَنَّهُ أَذِنَ فِي النَّظَرِ إلَى جَمِيع مَا يَظْهَرُ غَالِبًا إذْ لَا يُمْكِنُ إفْرَادَ الْوَجْهِ بِالنَّظَرِ مَعَ مُشَارَكَةِ غَيْرِهِ فِي الظُّهُورِ، وَلِأَنَّهُ يَظْهَرُ غَالِبًا أَشْبَهَ الْوَجْهَ.
(فَإِنْ لَمْ يَتَيَسَّرْ لَهُ النَّظَرُ أَوْ كَرِهَهُ) أَيْ النَّظَرَ (بَعَثَ إلَيْهَا امْرَأَةً) ثِقَةً (تَتَأَمَّلُهَا ثُمَّ تَصِفُهَا لَهُ) لِيَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ.
(وَتَنْظُرُ الْمَرْأَةُ إلَى الرَّجُلِ إذَا عَزَمَتْ عَلَى نِكَاحِهِ لِأَنَّهُ يُعْجِبُهَا مِنْهُ مَا يُعْجِبُهُ مِنْهَا) وَهَذَا إنَّمَا يَظْهَرُ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ: لَا تَنْظُرُ الْمَرْأَةُ إلَى الرَّجُلِ وَالْمَذْهَبُ كَمَا يَأْتِي أَنَّهَا تَنْظُرُ إلَى مَا عَدَا مَا بَيْنَ سُرَّتِهِ وَرُكْبَتِهِ وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ أَنَّهُ يُسَنُّ فَهُوَ إنَّمَا يَتَمَشَّى عَلَى قَوْلِ غَيْرِ الْأَكْثَرِ.
(قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي كِتَابِ النِّسَاءِ وَيُسْتَحَبُّ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَ ابْنَتَهُ أَنْ يَنْظُرَ لَهَا شَابًّا مُسْتَحْسَنَ الصُّورَةِ وَلَا يُزَوِّجُهَا دَمِيمًا) بِالدَّالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute