للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَوْفِ الْعَدُوِّ مِنْهُ (مَسِيرَةَ شَهْرٍ) أَمَامَهُ وَشَهْرٍ خَلْفَهُ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِ الْمَدِينَةِ رَوَى ذَلِكَ الشَّيْخَانِ وَجُعِلَتْ الْغَايَةُ شَهْرًا لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ إذْ ذَاكَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَعْدَائِهِ أَكْثَرُ مِنْ شَهْرٍ (وَبُعِثَ إلَى النَّاسِ كَافَّةً) قَالَ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ} [سبأ: ٢٨] وَأَمَّا عُمُومُ رِسَالَةِ نُوحٍ بَعْدَ الطُّوفَانِ لِانْحِصَارِ الْبَاقِينَ فِيمَنْ كَانُوا مَعَهُ وَأُرْسِلَ إلَى الْجِنِّ بِالْإِجْمَاعِ وَإِلَى الْمَلَائِكَةِ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ.

(وَأُعْطِيَ الشَّفَاعَةَ الْعُظْمَى وَالْمَقَامَ الْمَحْمُودَ) مُقْتَضَى كَلَامِهِ كَالْمَوَاهِبِ وَالْخَصَائِصِ وَغَيْرِهِمَا أَنَّهُمَا مُتَغَايِرَانِ وَذَكَرَ بَعْضُهُمْ فِي الْأَذَانِ أَنَّ الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ الشَّفَاعَةُ الْعُظْمَى لِأَنَّ فِيهِ يَحْمَدُهُ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ وَعَلَى الْأَوَّلِ فَالْمَقَامُ الْمَحْمُودُ جُلُوسُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْعَرْشِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ عَلَى الْكُرْسِيِّ ذَكَرَهُمَا الْبَغَوِيّ.

(وَمُعْجِزَاتُهُ بَاقِيَةٌ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) وَانْقَضَتْ مُعْجِزَاتُ الْأَنْبِيَاءِ بِمَوْتِهِمْ، إذْ أَكْثَرُ مُعْجِزَاتِ بَنِي إسْرَائِيلَ كَانَتْ حِسِّيَّةً تُشَاهَدُ بِالْأَبْصَارِ كَنَاقَةِ صَالِحٍ وَعَصَا مُوسَى فَانْقَرَضَتْ بِانْقِرَاضِ مَنْ عَاصَرَهُمْ وَلَمْ يُشَاهِدْهَا إلَّا مَنْ حَضَرَهَا، وَمُعْجِزَاتُ الْقُرْآنِ تُشَاهَدُ بِالْبَصِيرَةِ فَتَسْتَمِرُّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا يَمُرُّ عَصْرٌ إلَّا وَيَظْهَرُ فِيهِ شَيْءٌ أَخْبَرَ أَنَّهُ سَيَكُونُ إذْ مَا يُدْرَكُ بِالْعَقْلِ يَعْلَمُهُ مَنْ جَاءَ بَعْدَ الْأَوَّلِ (وَنَبْعُ الْمَاءِ مِنْ بَيْنَ أَصَابِعِهِ بَرَكَةٌ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى حَلَّتْ فِي الْمَاءِ بِوَضْعِ أَصَابِعِهِ فِيهِ فَجَعَلَ يَفُورُ وَيَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ) حَتَّى كَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَكَذَلِكَ رُوِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وُقُوعُهُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ فَنَفِدَ الْمَاءُ فَوَضَعَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدَهُ فِي قَلِيلٍ فَفَارَ الْمَاءُ مِنْ إصْبَعَيْهِ وَشَرِبُوا وَتَوَضَّئُوا وَهُمْ أَلْفٌ وَخَمْسُمِائَةٍ (لَا أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ نَفْسِ اللَّحْمِ وَالدَّمِ كَمَا ظَنَّهُ بَعْضُ الْجُهَّالِ قَالَهُ فِي الْهَدْيِ) .

وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ ظَاهِرُ كَلَامِ الْقُرْطُبِيِّ وَبِهِ صَرَّحَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُ «جَابِرٍ فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ» قَالَ فِي الْمَوَاهِبِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَكِلَاهُمَا مُعْجِزَةٌ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَإِنَّمَا فَعَلَ ذَلِكَ وَلَمْ يُخْرِجْهُ مِنْ غَيْرِ مُلَابَسَةِ مَاءٍ وَلَا وَضْعِ إنَاءٍ تَأَدُّبًا مَعَ اللَّهِ تَعَالَى إذْ هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِابْتِدَاعِ الْمَعْلُومَاتِ وَإِيجَادِهَا مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ.

(وَمَنْ دَعَاهُ) - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>