قَدْ رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «زَوَّجَ رَجُلًا امْرَأَةً فَقَالَ: مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قُلْتُ وَرَدَ فِيهِ «زَوَّجْتُكَهَا، وَزَوَّجْنَاكَهَا وَأَنْكَحْتُكَهَا» مِنْ طُرُقٍ صَحِيحَةٍ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ جَمَعَ بَيْنَ الْأَلْفَاظِ، أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الرَّاوِيَ رَوَى بِالْمَعْنَى، ظَنًّا مِنْهُ أَنَّهَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ وَيَكُونُ خَاصًّا بِهِ وَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَا يَبْقَى حُجَّةٌ وَيَصِحُّ الْإِيجَابُ مِنْ الْوَلِيِّ بِلَفْظِ زُوِّجْتَ بِضَمِّ الزَّاي وَفَتْحِ التَّاءِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ لَا جَوَّزْتُكَ بِتَقْدِيمِ الْجِيمِ وَسُئِلَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: عَنْ رَجُلٍ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَقُولَ إلَّا: قَبِلْتُ تَجْوِيزَهَا؟ فَأَجَابَ بِالصِّحَّةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: جَوْزَتِي طَالِقٌ فَإِنَّهَا تَطْلُقُ.
(وَلَا يَصِحُّ قَبُولٌ لِمَنْ يُحْسِنُهَا) أَيْ الْعَرَبِيَّةَ (إلَّا بِ) لَفْظِ (قَبِلْتُ تَزْوِيجَهَا أَوْ) قَبِلْتُ (نِكَاحَهَا أَوْ) قَبِلْتُ (هَذَا التَّزْوِيجَ أَوْ) قَبِلْتُ (هَذَا النِّكَاحَ أَوْ تَزَوَّجْتُهَا أَوْ رَضِيتُ هَذَا النِّكَاحَ أَوْ قَبِلْتُ فَقَطْ أَوْ تَزَوَّجْتُ) لِأَنَّ ذَلِكَ صَرِيحٌ فِي الْجَوَابِ فَصَحَّ النِّكَاحُ بِهِ كَالْبَيْعِ (أَوْ قَالَ الْخَاطِبُ لِلْوَلِيِّ: أَزَوَّجْتَ؟ فَقَالَ) الْوَلِيُّ (نَعَمْ وَقَالَ) الْخَاطِبُ (لِلْمُتَزَوِّجِ أَقَبِلْتَ؟ فَقَالَ) الْمُتَزَوِّجُ (نَعَمْ) انْعَقَدَ النِّكَاحُ لِأَنَّ الْمَعْنَى: نَعَمْ زَوَّجْتُ، نَعَمْ قَبِلْت هَذَا النِّكَاحَ لِأَنَّ السُّؤَالَ يَكُون مُضْمَرًا فِي الْجَوَابِ مُعَادًا فِيهِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى: {فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ} [الأعراف: ٤٤] أَيْ نَعَمْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا وَلَوْ قِيلَ لِلرَّجُلِ الْفُلَانِيِّ: عَلَيْكَ أَلْفُ دِرْهَمٍ؟ فَقَالَ: نَعَمْ كَانَ إقْرَارًا صَرِيحًا لَا يَفْتَقِرُ إلَى نِيَّةٍ وَلَا يَرْجِعُ فِيهِ إلَى تَغْيِيرِهِ وَبِمِثْلِهِ تُقْطَعُ الْيَدُ فِي السَّرِقَةِ مَعَ أَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ فَوَجَبَ أَنْ يَنْعَقِدَ بِهِ التَّزْوِيجُ.
(وَاخْتَارَ الْمُوَفَّقُ وَالشَّيْخُ) تَقِيُّ الدِّينِ (وَجَمْعُ انْعِقَادِهِ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ لِمَنْ لَمْ يُحْسِنْهَا) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ (وَقَالَ الشَّيْخُ أَيْضًا: يَنْعَقِدُ) النِّكَاحُ (بِمَا عَدَّهُ النَّاسُ نِكَاحًا بِأَيِّ لُغَةٍ وَلَفْظٍ كَانَ وَأَنَّ مِثْلَهُ) أَيْ النِّكَاحِ (كُلُّ عَقْدٍ) فَيَنْعَقِدُ الْبَيْعُ بِمَا عَدَّهُ النَّاسُ بَيْعًا بِأَيِّ لُغَةٍ وَلَفْظٍ كَانَ وَالْإِجَارَةُ بِمَا عَهِدَهُ النَّاسُ إجَارَةً بِأَيِّ لُغَةٍ وَلَفْظٍ كَانَ.
وَهَكَذَا (وَ) قَالَ أَيْضًا (إنَّ الشَّرْطَ بَيْنَ النَّاسِ مَا عَدُّوهُ شَرْطًا) وَكَذَا قَالَ تِلْمِيذُهُ ابْنُ الْقَيِّمِ فَلَوْ تَزَوَّجَ مِنْ قَوْمٍ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِالتَّزَوُّجِ عَلَى نِسَائِهِمْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ شَرْطِ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا وَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إلَيْهِ وَإِلَى مَأْخَذِهِ فِي بَابِ الشُّرُوطِ فِي النِّكَاحِ (فَالْأَسْمَاءُ تُعْرَفُ حُدُودُهَا تَارَةً بِالشَّرْعِ) كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصَّوْمِ وَالْحَجِّ وَالْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ وَنَحْوِهَا (وَ) تُعْرَفُ حُدُودُهَا (تَارَةً بِاللُّغَةِ) كَرَجُلٍ وَفَرَسٍ وَشَجَرٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute