أَحْمَدُ هَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ قَالَا فِي زَوْجِ بَرِيرَةَ " إنَّهُ عَبْدٌ رِوَايَةُ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ وَعَمَلُهُمْ " وَإِذَا رَوَى أَهْلُ الْمَدِينَةِ حَدِيثًا وَعَمِلُوا بِهِ فَهُوَ أَصَحُّ شَيْءٍ.
وَإِنَّمَا يَصِحُّ أَنَّهُ حُرٌّ عَنْ الْأَسْوَدِ وَحْدَهُ (وَإِنْ كَانَ) زَوْجُ الْأَمَةِ الَّتِي عَتَقَتْ كُلَّهَا (عَبْدًا فَلَهَا فَسْخُ النِّكَاحِ بِنَفْسِهَا بِلَا حَاكِمٍ) لِأَنَّهُ فَسْخٌ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ غَيْرُ مُجْتَهَدٍ فِيهِ فَلَمْ يَفْتَقِرْ إلَى حُكْمِ حَاكِمٍ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ فِي الْبَيْعِ، بِخِلَافِ خِيَارِ الْعَيْبِ فِي النِّكَاحِ (فَإِذَا قَالَتْ: اخْتَرْتُ نَفْسِي أَوْ) قَالَتْ (فَسَخْتُ النِّكَاحَ انْفَسَخَ) وَكَذَا لَوْ قَالَتْ اخْتَرْتُ فِرَاقَهُ (وَلَوْ قَالَتْ: طَلَّقْتُ نَفْسِي وَنَوَتْ الْمُفَارَقَةَ كَانَ) ذَلِكَ (كِنَايَةً عَنْ الْفَسْخِ) لِأَنَّهُ يُؤَدِّي مَعْنَى الْفَسْخِ، فَصَلُحَ كَوْنُهُ كِنَايَةً عَنْهُ كَالْكِنَايَةِ بِالْفَسْخِ عَنْ الطَّلَاقِ.
وَلَا يَكُونُ فَسْخُهَا لِنِكَاحِهَا طَلَاقًا لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الطَّلَاقُ لِمَنْ أَخَذَ بِالسَّاقِ» وَلِأَنَّهَا فُرْقَةٌ مِنْ قِبَلِ الزَّوْجَةِ وَكَانَتْ فَسْخًا كَمَا لَوْ اخْتَلَفَ دِينُهُمَا (وَهُوَ) أَيْ خِيَارُ الْفَسْخِ مِنْهَا (عَلَى التَّرَاخِي) كَخِيَارِ الْعَيْبِ (فَإِنْ عَتَقَ) زَوْجُهَا (قَبْلَ فَسْخِهَا) بَطَلَ خِيَارُهَا، لِأَنَّ الْخِيَارَ لِدَفْعِ الضَّرَرِ بِالرِّقِّ وَقَدْ زَالَ بِالْعِتْقِ فَسَقَطَ الْخِيَارُ كَالْمَبِيعِ إذَا زَالَ عَيْبُهُ سَرِيعًا (أَوْ رَضِيَتْ) الْعَتِيقَةُ (بِالْمُقَامِ مَعَهُ) رَقِيقًا وَفِي نُسْخَةٍ " بَعْدَهُ " أَيْ بَعْدَ الْعِتْقِ.
فَلَا خِيَارَ لَهَا لِأَنَّ الْحَقَّ لَهَا، وَقَدْ أَسْقَطَتْهُ (أَوْ أَمْكَنَتْهُ مِنْ وَطْئِهَا أَوْ) مِنْ (مُبَاشَرَتِهَا أَوْ) مِنْ (تَقْبِيلِهَا طَائِعَةً أَوْ قَبَّلَتْهُ هِيَ وَنَحْوُهُ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى الرِّضَا بَطَلَ خِيَارُهَا) لِمَا رَوَى أَبُو دَاوُد «أَنَّ بَرِيرَةَ عَتَقَتْ وَهِيَ عِنْدَ مُغِيثٍ عَبْدٍ لِآلِ أَبِي مُحَمَّدٍ فَخَيَّرَهَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَالَ لَهَا إنْ قَرِبَكِ فَلَا خِيَارَ لَكِ» .
(فَإِنْ ادَّعَتْ الْجَهْلَ بِالْعِتْقِ وَهُوَ مِمَّا يَجُوزُ) أَيْ يُمْكِنُ (جَهْلُهُ أَوْ) ادَّعَتْ (الْجَهْلَ بِمِلْكِ الْفَسْخِ لَمْ تُسْمَعْ) دَعْوَاهَا (وَبَطَلَ خِيَارُهَا نَصًّا) لِعُمُومِ مَا سَبَقَ (وَيَجُوزُ لِلزَّوْجِ الْإِقْدَامُ عَلَى وَطْئِهَا إذَا كَانَتْ غَيْرَ عَالِمَةٍ) بِالْعِتْقِ وَلَا يُمْنَعُ مِنْهُ لِأَنَّهُ حَقُّهُ وَلَمْ يُوجَدْ مَا يُسْقِطُهُ.
(وَلَوْ بَذَلَ الزَّوْجُ لَهَا) أَيْ الْعَتِيقَةِ (عِوَضًا عَلَى أَنْ تَخْتَارَهُ) أَيْ الزَّوْجَ (جَازَ) ذَلِكَ (نَصًّا) قَالَ ابْنُ رَجَبٍ وَهُوَ رَاجِعٌ إلَى صِحَّةِ إسْقَاطِ الْخِيَارِ بِعِوَضٍ.
وَصَرَّحَ الْأَصْحَابُ بِجَوَازِهِ فِي خِيَارِ الْبَيْعِ (وَلَوْ شَرَطَ مُعْتِقُهَا عَلَيْهَا دَوَامَ النِّكَاحِ تَحْتَ حُرٍّ) إنْ قُلْنَا لَهَا الْفَسْخُ إذَا عَتَقَتْ تَحْتَهُ (أَوْ) شَرَطَ عَلَيْهَا مُعْتِقُهَا دَوَامَ النِّكَاحِ تَحْتَ (عَبْدٍ إذَا أَعْتَقَهَا فَرَضِيَتْ) بِالشَّرْطِ (لَزِمَهَا ذَلِكَ) وَلَيْسَ لَهَا الْفَسْخُ إذَنْ كَأَنَّهُ اسْتَثْنَى مَنْفَعَةَ بُضْعهَا الزَّوْجَ، وَالْعِتْقُ بِشَرْطٍ جَائِزٌ.
(فَإِنْ كَانَتْ) مَنْ عَتَقَتْ تَحْتَ عَبْدٍ (صَغِيرَةً) دُونَ تِسْعٍ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute