كَسَائِرِ كِنَايَاتِهِ.
قَالَ تَعَالَى {وَمَا تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [البينة: ٤] وَقَالَ {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: ٢٢٩] وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ الطَّلَاقُ إذْ الْآيَةُ فِي الرَّجْعَةِ وَهِيَ إذَا قَارَبَتْ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا أَنْ يُمْسِكَهَا بِرَجْعَةٍ وَإِمَّا أَنْ يَتْرُكَهَا حَتَّى تَنْقَضِي عِدَّتُهَا فَالْمُرَادُ بِالتَّسْرِيحِ فِي الْآيَةِ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ وَهُوَ الْإِرْسَالُ (غَيْرُ أَمْرٍ نَحْوَ طَلِّقِي وَ) غَيْرُهُ (مُضَارِعٌ نَحْوَ أُطَلِّقُكِ وَ) غَيْرُ (مُطَلِّقَةٍ بِكَسْرِ اللَّام) اسْم فَاعِلٍ (فَلَا تَطْلُقُ بِهِ) لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى الْإِيقَاعِ قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي الْمُسَوَّدَةِ فِي الْبُيُوع بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ أَلْفَاظَ الْعُقُودِ بِالْمَاضِي وَالْمُضَارِعِ وَاسْمِ الْفَاعِلِ وَاسْمِ الْمَفْعُولِ وَإِنَّهَا لَا تَنْعَقِدُ بِالْمُضَارِعِ وَمَا كَانَ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ مُحْتَمِلًا فَإِنَّهُ يَكُون كِنَايَةً حَيْثُ تَصِحُّ الْكِنَايَةُ كَالطَّلَاقِ وَنَحْوِهِ وَيُعْتَبَرُ دَلَالَاتِ الْأَحْوَالِ وَهَذَا الْبَابُ عَظِيمُ الْمَنْفَعَةِ خُصُوصًا فِي الْخُلْعِ وَبَابِهِ.
(وَإِذَا أَتَى بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ) غَيْرَ حَاكٍ وَنَحْوَهُ (وَقَعَ؛ نَوَاهُ أَوْ لَمْ يَنْوِهِ) لِأَنَّ سَائِرَ الصَّرَائِحِ لَا تَفْتَقِر إلَى نِيَّةٍ فَكَذَا صَرِيحُ الطَّلَاقِ فَيَقَعُ.
(وَلَوْ كَانَ) الْآتِي بِالصَّرِيحِ (هَازِلًا أَوْ لَاعِبًا) حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إجْمَاعُ مَنْ يَحْفَظُ عَنْهُ وَسَنَدُهُ مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «ثَلَاثٌ جَدُّهُنَّ جَدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جَدٌّ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالرَّجْعَةُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ (أَوْ) كَانَ (مُخْطِئًا) قِيَاسًا عَلَى الْهَازِلِ (وَهُوَ) أَيْ قَوْلُهُ أَنْتِ طَالِقٌ وَنَحْوُهُ (إنْشَاءٌ) كَسَائِرِ صِيَغِ الْفُسُوخِ وَالْعُقُودِ (وَقَالَ الشَّيْخُ هَذِهِ صِيَغُ إنْشَاءٍ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا تُثْبِتُ الْحُكْمَ وَبِهَا تَمَّ وَهِيَ أَخْبَارٌ لِدَلَالَتِهَا عَلَى الْمَعْنَى الَّذِي فِي النَّفْسِ) وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي أَشَارَ إلَيْهِ يَطَّرِد فِي كُلِّ إنْشَاءٍ وَطَلَبٍ.
(وَإِنْ قَالَ امْرَأَتِي طَالِقٌ أَوْ) قَالَ (عَبْدِي حُرٌّ أَوْ) قَالَ (أَمَتِي حُرَّةٌ وَأَطْلَقَ النِّيَّةَ) فَلَمْ يَنْوِ مُعَيَّنًا وَلَا مُبْهَمًا مِنْ زَوْجَاته وَلَا عَبِيدِهِ وَلَا إمَائِهِ (طَلَّقَ جَمِيعَ نِسَائِهِ وَعَتَقَ عَبِيدُهُ وَإِمَاؤُهُ) لِأَنَّهُ مُفْرَدٌ مُضَافٌ فَيَعُمُّ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْعِتْقِ.
(وَلَوْ قَالَ) لِامْرَأَتِهِ (كُلَّمَا قُلْتِ لِي شَيْئًا وَلَمْ أَقُلْ لَكِ مِثْلَهُ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَقَالَتْ لَهُ: أَنْتِ طَالِقٌ بِفَتْحِ التَّاءِ أَوْ كَسْرِهَا فَلَمْ يَقُلْهُ) طَلُقَتْ لِوُجُودِ الصِّفَةِ (أَوْ قَالَهُ طَلُقَتْ) لِأَنَّهُ وَاجَهَهَا بِالطَّلَاقِ (وَلَوْ) قَالَهُ وَعَلَّقَهُ (بِشَرْطٍ) طَلُقَتْ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَمْ يَقُلْ لَهَا مِثْلَهُ لِأَنَّ الْمُعَلَّقَ غَيْرُ الْمُنْجَزِ قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَلَهُ التَّمَادِي إلَى قُبَيْلِ الْمَوْتِ انْتَهَى وَلَوْ نَوَى فِي وَقْتِ كَذَا وَنَحْوِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute