فَقَالَ رُكَانَةُ وَاَللَّهِ مَا أَرَدْتُ إلَّا وَاحِدَةً فَرَدَّهَا إلَيْهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَطَلَّقَهَا الثَّانِيَةَ فِي زَمَنِ عُمَرَ وَالثَّالِثَةَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ. وَفِي لَفْظٍ قَالَ هُوَ عَلَى مَا أَرَدْتَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَصَحَّحَهُ ابْنُ مَاجَهْ وَالتِّرْمِذِيُّ.
وَقَالَ سَأَلْتُ مُحَمَّدًا يَعْنِي الْبُخَارِيَّ عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ: فِيهِ اضْطِرَابٌ، وَلِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «قَالَ لِابْنَةِ الْجَوْنِ الْحَقِي بِأَهْلِكِ» وَهُوَ لَا يُطَلِّقُ ثَلَاثًا (فَعَلَيْهَا) أَيْ عَلَى رِوَايَةٍ أَنَّهُ يَقَعُ مَا نَوَاهُ (إنْ لَمْ يَنْوِ) مَعَ الْإِتْيَانِ بِالْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ بِنِيَّةِ الطَّلَاقِ (عَدَدًا فَوَاحِدَةٌ) كَمَا لَوْ قَالَ لَهَا أَنْتِ طَالِقٌ (وَيُقْبَلُ) مِنْهُ (حُكْمًا) بَيَانُ مَا نَوَاهُ بِالْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ أَوْ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا بَنَاهُ عَلَى الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لِأَنَّهُ أَدْرَى بُنَيَّتِهِ وَيَقَعُ عَلَيْهِ وَاحِدَةٌ (وَيَقَعُ ثَلَاثٌ فِي أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ أَوْ) أَنْتِ (طَالِقٌ أَلْبَتَّةَ أَوْ) أَنْتِ (طَالِقٌ بِلَا رَجْعَةٍ) لِمَا تَقَدَّمَ فِي الْكِنَايَةِ الظَّاهِرَةِ قَالَ فِي الشَّرْح وَلَا يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ لِأَنَّهُ وَصَفَ بِهَا الطَّلَاقَ الصَّرِيحَ.
(وَلَوْ قَالَ) لِزَوْجَتِهِ (أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً بَائِنَةً أَوْ وَاحِدَةً بَتَّةً وَقَعَ رَجْعِيًّا) لِأَنَّهُ وَصَفَ الْوَاحِدَةَ بِغَيْرِ وَصْفِهَا فَأَلْغَى (وَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً ثَلَاثًا أَوْ ثَلَاثًا وَاحِدَةً يَقَعُ ثَلَاثٌ وَيَقَعُ) بِالْكِنَايَةِ (الْخَفِيَّةِ مَا نَوَاهُ) مِنْ وَاحِدَةٍ أَوْ أَكْثَرَ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى الْعَدَدِ وَالْخَفِيَّةِ لَيْسَتْ فِي مَعْنَى الظَّاهِرَةِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُ النِّيَّةِ (إلَّا أَنْتِ وَاحِدَةٌ فَيَقَعُ بِهَا وَاحِدَةٌ وَإِنْ نَوَى ثَلَاثًا) قَالَهُ الْقَاضِي وَالْمُوَفَّقُ وَلَمْ يَسْتَثْنِهَا فِي الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ فَهِيَ كَغَيْرِهَا مِنْ الْكِنَايَاتِ الْخَفِيَّةِ، لِأَنَّ مَعْنَاهَا كَمَا تَقَدَّمَ أَنْتِ مُنْفَرِدَةٌ وَذَلِكَ لَا يُنَافِي أَنْ يَنْوِي بِهَا أَكْثَرَ مِنْ طَلْقَةٍ.
(فَإِنْ لَمْ يَنْوِ) مَنْ أَتَى بِكِنَايَةٍ خَفِيَّةٍ (عَدَدًا وَقَعَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ إنْ كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ تَكُنْ الْمُطَلَّقَةُ مَدْخُولًا بِهَا وَقَعَتْ وَاحِدَةٌ (بَائِنَةٌ) لِأَنَّهَا إنَّمَا تَقْتَضِي التَّرْك كَمَا يَقْتَضِيه صَرِيحُ الطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ اقْتِضَاءٍ لِلْبَيْنُونَةِ فَوَقَعَ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ كَمَا لَوْ أَتَى بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ.
(وَمَا لَا يَدُلُّ عَلَى الطَّلَاقِ نَحْوِ كُلِي وَاشْرَبِي وَاقْعُدِي وَقُومِي وَبَارَكَ اللَّهُ عَلَيْكِ وَأَنْتِ مَلِيحَةٌ أَوْ قَبِيحَةٌ لَا يَقَع بِهِ طَلَاقٌ وَلَوْ نَوَاهُ) لِأَنَّهُ لَا يَحْتَمِلُ الطَّلَاقَ فَلَوْ وَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ وَقَعَ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ، وَفَارَقَ ذُوقِي وَتَجَرَّعِي فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَكَارِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [آل عمران: ١٨١] {يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ} [إبراهيم: ١٧] بِخِلَافِ كُلْ وَاشْرَبْ قَالَ تَعَالَى {فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا} [مريم: ٢٦] .
(وَكَذَا) قَوْلُهُ (أَنَا طَالِقٌ أَوْ أَنَا مِنْكِ طَالِقٌ أَوْ أَنَا مِنْكِ بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ أَوْ بَرِيءٌ) فَلَا يَقَع بِهِ طَلَاقٌ وَإِنْ نَوَاهُ لِأَنَّهُ مَحِلٌّ لَا يَقَعُ الطَّلَاق بِإِضَافَتِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute