للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اجْتِهَادٍ أَوْ تَقْلِيدِ) عَارِفٍ (أَوْ تَقْدِيرِ الزَّمَانِ بِقِرَاءَةٍ أَوْ صَنْعَةٍ) كَمَنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِقِرَاءَةٍ إلَى وَقْتِ الصَّلَاةِ، أَوْ بِعَمَلِ شَيْءٍ مُقَدَّرٍ مِنْ صَنْعَتِهِ إلَى وَقْتِ الصَّلَاةِ (صَلَّى) أَيْ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ (إنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْيَقِينُ بِمُشَاهَدَةِ) الزَّوَالِ وَنَحْوِهِ (أَوْ إخْبَارٍ عَنْ يَقِينٍ) لِأَنَّهُ أَمْرٌ اجْتِهَادِيٌّ، فَاكْتَفَى فِيهِ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ كَغَيْرِهِ، وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَبْنُونَ أَمْرَ الْفِطْرِ عَلَى غَلَبَةِ الظَّنِّ.

(وَالْأَوْلَى: تَأْخِيرُهَا قَلِيلًا احْتِيَاطًا) حَتَّى يَتَيَقَّنَ دُخُولَ الْوَقْتِ، وَيَزُولَ الشَّكُّ (إلَّا أَنْ يُخْشَى خُرُوجُ الْوَقْتِ أَوْ تَكُونَ صَلَاةُ الْعَصْرِ فِي يَوْمِ غَيْمٍ فَيُسْتَحَبُّ التَّبْكِيرُ) لِحَدِيثِ بُرَيْدَةَ قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي غَزْوَةٍ فَقَالَ: بَكِّرُوا بِصَلَاةِ الْعَصْرِ فِي الْيَوْمِ الْغَيْمِ فَإِنَّهُ مَنْ فَاتَتْهُ صَلَاةُ الْعَصْرِ حَبِطَ عَمَلُهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ قَالَ الْمُوَفَّقُ: وَمَعْنَاهُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - التَّبْكِيرُ بِهَا إذَا حَلَّ فِعْلُهَا بِيَقِينٍ أَوْ غَلَبَةِ ظَنٍّ وَذَلِكَ لِأَنَّ وَقْتَهَا الْمُخْتَارَ فِي زَمَنِ الشِّتَاءِ ضَيِّقٌ، فَيُخْشَى خُرُوجُهُ وَقَالَ فِي الْإِنْصَافِ: فَعَلَى الْمَذْهَبِ يُسْتَحَبُّ التَّأْخِيرُ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ دُخُولُ الْوَقْتِ قَالَهُ ابْنُ تَمِيمٍ وَغَيْرُهُ.

(وَالْأَعْمَى وَنَحْوُهُ) كَالْمَطْمُورِ (يُقَلِّدُ) الْعَارِفَ فِي دُخُولِ الْوَقْتِ.

وَفِي الْجَامِعِ لِلْقَاضِي: وَالْأَعْمَى يَسْتَدِلُّ عَلَى دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ، كَمَا يَسْتَدِلُّ الْبَصِيرُ فِي يَوْمِ الْغَيْمِ لِأَنَّهُ يُسَاوِيهِ فِي الدَّلَالَةِ وَهُوَ مُرُورُ الزَّمَانِ، وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ وَالرُّجُوعُ إلَى الصَّنَائِعِ الرَّاتِبَةِ فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ دُخُولُ الْوَقْتِ جَازَ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ وَالِاحْتِيَاطُ لِلتَّأْخِيرِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَصِيرِ وَيُفَارِقُ التَّوَجُّهُ إلَى الْقِبْلَةِ حَيْثُ قَالُوا: لَا يَجْتَهِدُ لَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ الْآلَةُ الَّتِي يُدْرِكُهَا بِهَا، وَهِيَ حَاسَّةُ الْبَصَرِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ دُخُولُ الْوَقْتِ، لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ عَلَيْهِ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ وَمَعْنَاهُ فِي الْمُبْدِعِ (فَإِنْ عَدِمَ) الْأَعْمَى وَنَحْوُهُ (مَنْ يُقَلِّدُهُ وَصَلَّى، أَعَادَ، وَلَوْ تَيَقَّنَ أَنَّهُ أَصَابَ) كَمَنْ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ فَيُصَلِّي بِغَيْرِ اجْتِهَادٍ.

قَالَ فِي الْمُنْتَهَى وَشَرْحِهِ: وَيُعِيدُ أَعْمَى عَاجِزٌ عَنْ مَعْرِفَةِ وَقْتِ الصَّلَاةِ انْتَهَى فَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّ مَنْ قَدْرَ عَلَى الِاسْتِدْلَالِ كَمَا تَقَدَّمَ لَا إعَادَةَ عَلَيْهِ (فَإِنْ أَخْبَرَهُ) أَيْ: الْجَاهِلَ بِالْوَقْتِ أَعْمَى كَانَ أَوْ غَيْرَهُ (مُخْبِرٌ) عَارِفٌ بِدُخُولِ الْوَقْتِ (عَنْ يَقِينٍ) لَا ظَنٍّ (قُبِلَ قَوْلُهُ) وُجُوبًا (إنْ كَانَ ثِقَةً) لِأَنَّهُ خَبَرٌ دِينِيٌّ، فَقُبِلَ فِيهِ قَوْلُ الْوَاحِدِ، كَالرِّوَايَةِ (أَوْ سَمِعَ أَذَانَ ثِقَةٍ) يَعْنِي أَنَّهُ يَلْزَمُ الْعَمَلُ بِأَذَانِ ثِقَةٍ عَارِفٍ لِأَنَّ الْأَذَانَ شُرِعَ لِلْإِعْلَامِ بِدُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَلَوْ لَمْ يَجُزْ تَقْلِيدُ الْمُؤَذِّنِ لَمْ تَحْصُلْ الْحِكْمَةُ الَّتِي شُرِعَ الْأَذَانُ لَهَا.

وَلَمْ يَزَلْ النَّاسُ يَجْتَمِعُونَ لِلصَّلَاةِ فِي مَسَاجِدِهِمْ، فَإِذَا سَمِعُوا الْأَذَانَ؛ قَامُوا إلَى الصَّلَاةِ، وَبَنَوْا عَلَى قَوْلِ الْمُؤَذِّنِ مِنْ غَيْرِ مُشَاهَدَةٍ لِلْوَقْتِ، وَلَا اجْتِهَادٍ فِيهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ، فَكَانَ إجْمَاعًا (وَإِنْ كَانَ) الْإِخْبَارُ بِدُخُولِ الْوَقْتِ (عَنْ اجْتِهَادٍ لَمْ يَقْبَلْهُ) لِأَنَّهُ يَقْدِرُ

<<  <  ج: ص:  >  >>