فِي الْحَاشِيَةِ (وَمَسْكَنًا وَتَوَابِعَهَا) أَيْ تَوَابِعَ الْخُبْزِ وَالْأُدْمِ وَالْكُسْوَةِ وَالْمَسْكَنِ، كَثَمَنِ الْمَاءِ وَالْمُشْطِ وَالسُّتْرَةِ وَدُهْنِ الْمِصْبَاحِ وَالْغِطَاءِ وَالْوَطْءِ وَنَحْوِهَا وَأَصْلُهَا الْإِخْرَاجُ مِنْ النَّافِقَاءِ، وَهُوَ مَوْضِعٌ يَجْعَلُهُ الضَّبُّ فِي مُؤَخَّرِ الْحُجْرِ رَفِيعًا يَعُدُّهُ لِلْخُرُوجِ إذَا أَتَى مِنْ بَابِهِ رَفْعَهُ بِرَأْسِهِ وَخَرَجَ وَمِنْهُ سُمِّيَ النِّفَاقُ، لِأَنَّهُ خُرُوجٌ مِنْ الْإِيمَانِ أَوْ خُرُوجٌ الْإِيمَان مِنْ الْقَلْبِ، فَسُمِّيَ الْخُرُوجُ نَفَقَةً لِذَلِكَ وَهِيَ أَصْنَافٌ: نَفَقَةُ الزَّوْجَاتِ، وَهِيَ الْمَقْصُودَةُ هُنَا وَنَفَقَةُ الْأَقَارِبِ وَالْمَمَالِيكِ وَتَأْتِي (وَيَلْزَمُ ذَلِكَ) الْمَذْكُورَ وَهُوَ الْكِفَايَةَ مِنْ الْخُبْزِ وَالْأُدْمِ وَالْكُسْوَةِ وَتَوَابِعِهَا (الزَّوْجَ لِزَوْجَتِهِ) إجْمَاعًا لِقَوْلِهِ: {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ} [الطلاق: ٧] الْآيَةُ وَمَعْنَى قَدَرَ ضَيَّقَ «وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَهُنَّ عَلَيْكُمْ نَفَقَتُهُنَّ وَكُسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَنَّهَا مَحْبُوسَةٌ عَلَى الزَّوْجِ يَمْنَعُهَا مِنْ التَّصَرُّفِ وَالِاكْتِسَابِ فَوَجَبَتْ نَفَقَتُهَا عَلَيْهِ كَالْعَبْدِ مَعَ سَيِّدِهِ (وَلَوْ) كَانَتْ الزَّوْجَةُ (ذِمِّيَّةً) تَحْتَ مُسْلِمٍ أَوْ ذِمِّيٍّ لِعُمُومِ مَا سَبَقَ (بِ) حَسَبِ (مَا يَصْلُحُ لِمِثْلِهَا) مَعَ مِثْلِهِ (بِالْمَعْرُوفِ) لِخَبَرِ مُسْلِمٍ السَّابِقِ.
(وَهِيَ) أَيْ النَّفَقَةُ (مُقَدَّرَةٌ بِالْكِفَايَةِ) فَيَجِبُ لَهَا كِفَايَتُهَا مِمَّا ذُكِرَ لِحَدِيثِ هِنْدٍ «خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ» فَتَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَنْ تَجِبُ لَهُ فِي قَدْرِهَا لِلْحَدِيثِ فَأَمَرَهَا بِأَخْذِ مَا يَكْفِيهَا مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ وَالْكِفَايَةُ لَا تَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، وَإِنَّمَا اعْتَبَرَهُمَا الشَّرْعُ فِي الْجِنْسِ لَا الْقَدْرِ.
(وَتَخْتَلِفُ) النَّفَقَةُ (بِاخْتِلَافِ حَالِ الزَّوْجَيْنِ) يَسَارًا وَإِعْسَارًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} [الطلاق: ٧] (فَيَعْتَبِرُ ذَلِكَ الْحَاكِمُ بِحَالِهِمَا عِنْدَ التَّنَازُعِ) لَا وَقْتَ الْعَقْدِ، وَإِنَّمَا اعْتَبَرَهُ بِحَالِهِمَا جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَرِعَايَةً لِكُلٍّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَكَانَ أَوْلَى.
وَقَالَ الْقَاضِي الْوَاجِبُ رِطْلَانِ مِنْ خُبْزٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ فِي حَقِّ الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ اعْتِبَارًا بِالْكَفَّارَاتِ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي صِفَتِهِ وَجَوْدَتِهِ (فَيَفْرِضُ) الْحَاكِمُ (لِلْمُوسِرَةِ تَحْتَ الْمُوسِرِ مِنْ أَرْفَعِ خُبْزِ الْبَلَدِ) الْخَاصِّ (وَدُهْنِهِ وَأُدْمِهِ الَّذِي جَرَتْ عَادَةُ أَمْثَالِهَا بِأَكْلِهِ مِنْ الْأُرْزِ وَاللَّبَنِ وَغَيْرِهِمَا مِمَّا لَا تُكْرَهُ عُرْفًا) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ ذَلِكَ بِالْمَعْرُوفِ؛ وَلَيْسَ مِنْ الْمَعْرُوفِ إطْعَامُ الْمُوسِرَةِ خُبْزَ الْمُعْسِرَةِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَّقَ بَيْنَ الْمُوسِرِ وَالْمُعْسِرِ فِي الْإِنْفَاقِ، وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا فِيهِ التَّفْرِيقُ فَوَجَبَ الرُّجُوعُ إلَى الْعُرْفِ وَأَهْلُ الْعُرْفِ يَتَعَارَفُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute