الثَّالِثُ (أَشْهُرٌ حُرُمٌ فَقَطْ) دُونَ الرَّحِمِ وَلَوْ مُحَرَّمًا خِلَافًا لِأَبِي بَكْرٍ وَالْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ (فَيُزَادُ لِكُلِّ وَاحِدٍ) مِنْ الثَّلَاثَةِ (ثُلُثُ الدِّيَةِ) لِمَا رُوِيَ " أَنَّ امْرَأَةً وُطِئَتْ فِي طَوَافٍ فَقَضَى عُثْمَانُ فِيهَا بِسِتَّةِ آلَافٍ وَأَلْفَيْنِ " تَغْلِيظًا لِلْحَرَمِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ " أَنَّ رَجُلًا قَتَلَ رَجُلًا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَفِي الْبَلَدِ الْحَرَامِ فَقَالَ دِيَتُهُ اثْنَا عُشْرَ أَلْفًا وَلِلشَّهْرِ الْحَرَامِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ وَلِلْبَلَدِ الْحَرَامِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ " (فَإِنْ اجْتَمَعَتْ هَذِهِ الْحُرُمَاتُ الثَّلَاثُ وَجَبَ دِيَتَانِ) لِأَنَّ الْقَتْلَ يَجِب بِهِ دِيَةٌ وَقَدْ تَكَرَّرَ التَّغْلِيظُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَوَجَبَ بِهِ دِيَةٌ أُخْرَى.
(وَظَاهِرُ كَلَامِ الْخِرَقِيِّ أَنَّهَا) أَيْ الدِّيَةِ (لَا تُغَلَّظُ لِذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْآيَةِ) وَهِيَ قَوْله تَعَالَى {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} [النساء: ٩٢] وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ الدِّيَةُ وَاحِدَةً فِي كُلِّ مَكَان وَعَلَى كُلِّ حَالٍ.
(وَ) هُوَ ظَاهِرُ (الْإِخْبَارِ) مِنْهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي النَّفْسِ الْمُؤْمِنَةِ مِائَةٌ مِنْ الْإِبِلِ وَعَلَى أَهْلِ الذَّهَبِ أَلْفُ مِثْقَالٍ» وَرَوَى الْجُوزَجَانِيُّ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ أَنَّ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ كَانَ يَجْمَعُ الْفُقَهَاءَ فَكَانَ مِمَّا أَحْيَا مِنْ تِلْكَ السُّنَنِ أَنَّهُ لَا تَغْلِيظَ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ لَيْسَ بِثَابِتٍ مَا رُوِيَ عَنْ الصَّحَابَةِ فِي هَذَا وَلَوْ صَحَّ فَفِعْلُ عُمَرَ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ أَوْلَى فَيُقَدَّمُ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ وَهُوَ أَصَحُّ فِي الرِّوَايَةِ مَعَ مُوَافَقَةِ الْكِتَابِ وَالسَّنَةِ وَالْقِيَاسِ (وَاخْتَارَهُ جَمْعٌ) مِنْهُمْ الْمُوَفَّقُ وَنَصَّ فِي الشَّرْحِ وَذَكَرَ ابْنُ رَزِينٍ أَنَّهُ الْأَظْهَرُ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْوَجِيزِ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ التَّغْلِيظَ.
(وَإِنْ قَتَلَ مُسْلِمٌ كَافِرًا كِتَابِيًّا أَوْ غَيْرَهُ حَيْثُ حُقِنَ دَمُهُ) بِأَنْ كَانَ لَهُ أَمَانٌ (عَمْدًا أُضْعِفَتْ الدِّيَةُ عَلَى قَاتِلَهُ لِإِزَالَتِهِ الْقَوَدَ) لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يُقْتَلُ بِالْكَافِرِ وَالْقَوَدُ شُرِعَ زَجْرًا عَنْ تَعَاطِي الْقَتْلِ حَكَمَ بِهِ عُثْمَانُ كَمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ (وَإِنْ قَتَلَهُ) أَيْ الْكَافِرَ (ذِمِّيٌّ أَوْ قَتَلَ الذِّمِّيُّ مُسْلِمًا لَمْ تُضَعَّفْ الدِّيَةُ عَلَيْهِ) لِلتَّمَكُّنِ مِنْ الْقَوَدِ.
(وَإِنْ جَنَى رَقِيقٌ خَطَأً أَوْ عَمْدًا لَا قَوَدَ فِيهِ) كَالْجَائِفَةِ وَالْمَأْمُومَةِ (أَوْ) عَمْدًا (فِيهِ قَوَدٌ وَاخْتِيرَ الْمَالُ أَوْ أَتْلَفَ) الْقِنُّ (مَالًا) وَكَانَتْ الْجِنَايَةُ أَوْ الْإِتْلَافُ (بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِهِ تَعَلَّقَ ذَلِكَ) الْوَاجِبُ بِالْجِنَايَةِ أَوْ الْإِتْلَافِ (بِرَقَبَتِهِ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَعَلُّقَهَا بِذِمَّتِهِ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى إلْغَائِهَا أَوْ تَأْخِيرِ حَقِّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ إلَى غَيْرِ غَايَةٍ وَلَا بِذِمَّةِ السَّيِّدِ لِأَنَّهُ لَمْ يَجْنِ فَتَعَيَّنَ تَعَلُّقَهَا بِرَقَبَةِ السَّيِّدِ كَالْقِصَاصِ (فَيُخَيَّرُ سَيِّدُهُ بَيْنَ أَنْ يَفْدِيَهُ بِأَرْشِ جِنَايَتِهِ) أَوْ قِيمَةِ مُتْلَفِهِ إنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ (أَوْ يُسَلِّمهُ إلَى وَلِيِّ الْجِنَايَةِ فَيَمْلِكُهُ أَوْ يَبِيعُهُ وَيَدْفَعُ ثَمَنَهُ) لِوَلِيِّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute