لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَرِثُونَ مَنْ لَا وَارِثَ لَهُ فَيَعْقِلُونَ عَنْهُ عِنْدَ عَدَمِ عَاقِلَتِهِ كَعِصَابَتِهِ فَتُؤْخَذُ (حَالَّةً دَفْعَةً وَاحِدَةً) لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَدَّى دِيَةَ الْأَنْصَارِيِّ دَفْعَةً وَاحِدَةً وَكَذَا عُمَرُ لِأَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا أُجِّلَتْ عَلَى الْعَاقِلَةِ تَخْفِيفًا وَلَا حَاجَةَ إلَى ذَلِكَ فِي بَيْتِ الْمَالِ.
(فَإِنْ تَعَذَّرَ) الْأَخْذُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ إذَنْ (فَلَيْسَ عَلَى الْقَاتِل شَيْءٌ لِأَنَّ الدِّيَةَ تَلْزَم الْعَاقِلَةَ ابْتِدَاءً) بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُطَالِب بِهَا غَيْرَهُمْ وَلَا يَعْتَبِرُ تَحَمُّلُهُمْ وَلَا رِضَاهُمْ بِهَا فَلَا تَجِبُ عَلَى غَيْرِ مَنْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَمَا لَوْ عُدِمَ الْقَاتِلُ وَعَنْهُ تَجِبُ فِي مَالِ الْقَاتِلِ قَالَ فِي الْمُقْنِعِ وَهُوَ أَوْلَى مِنْ إهْدَارِ دَمِ الْأَحْرَارِ فِي أَغْلَبِ الْأَحْوَالِ فَإِنَّهُ لَا يَكَادُ تُوجَدُ عَاقِلَةٌ تَحْمِلُ الدِّيَةَ كُلَّهَا وَلَا سَبِيلَ إلَى الْأَخْذِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ فَتَضِيعُ الدِّمَاءُ وَالدِّيَةُ تَجِبُ عَلَى الْقَاتِلِ ثُمَّ تَتَحَمَّلُهَا الْعَاقِلَةُ وَإِنْ سَلَّمْنَا وُجُوبَهَا عَلَيْهِمْ ابْتِدَاءً لَكِنْ مَعَ وُجُودِهِمْ كَمَا قَالُوا فِي الْمُرْتَدِّ يَجِبُ أَرْشُ خَطَئِهِ فِي مَالِهِ لِأَنَّهُ لَا عَاقِلَةَ لَهُ تَحْمِلُهَا.
(وَإِنْ رَمَى ذِمِّيٌّ) صَيْدًا ثُمَّ تَغَيَّرَ دِينُهُ (أَوْ) رَمَى (مُسْلِمٌ صَيْدًا ثُمَّ تَغَيَّرَ دِينُهُ ثُمَّ أَصَابَ السَّهْمُ آدَمِيًّا فَقَتَلَهُ فَالدِّيَةُ فِي مَالِهِ) لِأَنَّهُ قَتِيلٌ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ مَعْصُومٌ نَفَذَ حَمْلُ عَاقِلَتِهِ عَقْلَهُ فَوَجَبَ عَلَى عَاقِلَتِهِ وَلَا يَعْقِلُهُ عَصَبَةُ الْقَاتِل الْمُسْلِمُونَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مُسْلِمًا حَالَ رَمْيِهِ وَلَا الْمُعَاهَدُونَ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْتُلهُ إلَّا وَهُوَ مُسْلِمٌ (وَلَوْ اخْتَلَفَ دِينُ جَارِحٍ حَالَتَيْ جَرْح وَزُهُوقٍ) بِأَنْ جَرَحَهُ وَهُوَ مُسْلِمٌ ثُمَّ تَغَيَّرَ دِينُهُ أَوْ وَهُوَ ذِمِّيٌّ ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ (حَمَلَتْهُ عَاقِلَتُهُ حَالَ الْجَرْحِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُ فِعْلٌ بَعْدَ الْجَرْحِ (وَلَوْ جَنَى ابْنُ الْمُعْتَقَةِ مِنْ عَبْدٍ فَعَقْلُهُ عَلَى مَوَالِي أُمِّهِ) لِأَنَّهُمْ مَوَالِيه وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الْوَلَاءُ لُحْمَةٌ كَلُحْمَةِ النَّسَبِ» (فَإِنْ عَتَقَ أَبُوهُ وَانْجَرَّ وَلَاؤُهُ) لِمَوَالِي أَبِيهِ (ثُمَّ سَرَتْ جِنَايَتُهُ) خَطَأ فَأَرْشُهَا فِي مَالِهِ لِتَعَذُّرِ حَمْلِ الْعَاقِلَةِ قَالَهُ فِي الْمُقْنِعِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَشَرْحِ ابْنِ مُنَجَّا وَغَيْرُهُمْ قَالَ فِي الْإِنْصَافِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ.
قَالَ قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ إلَى أَنْ قَالَ وَإِنْ انْجَرَّ وَلَاءُ ابْنُ مُعْتَقَةٍ بَيْنَ جَرْحٍ أَوْ رَمْيٍ وَتَلَف فَكَتَغَيُّرِ دِينٍ وَقَالَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ انْتَهَى فَعَلَى هَذَا تَكُونُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَهِيَ مَسْأَلَةٌ الْجَرْحِ عَلَى عَاقِلَتِهِ حَالَ الْجَرْحِ كَمَا فِي تَغَيُّرِ الدِّينِ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَلِذَلِكَ حَوَّلَ صَاحِبُ الْمُبْدِع عِبَارَةَ الْمُقْنِعِ عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَتَّبِعْ صَاحِبُ الْمُنْتَهَى كَلَامَهُ فِي الْإِنْصَافِ أَوَّلًا وَلَا الْمُقْنِعِ مَعَ أَنَّ التَّنْقِيحَ لَمْ يُخَالِفَهُ (أَوْ رَمَى) ابْنُ الْمُعْتَقَةِ مِنْ عَبْدٍ (بِسَهْمٍ فَلَمْ يَقَعُ السَّهْمُ حَتَّى عَتَقَ أَبُوهُ فَأَرْشُهَا) أَيْ الْجِنَايَةُ (فِي مَالِهِ) أَيْ الْجَانِي لَا يَحْمِلُهُ أَحَدٌ لِمَا سَبَقَ فِي تَغَيُّرِ الدِّينِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute