للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَأَمَّا شُرُوطُ الْإِمَامَةِ فَتَأْتِي فِي كَلَامِهِ (وَيَثْبُتُ) نَصْبُ الْإِمَامِ (بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَيْهِ كَإِمَامَةِ أَبِي بَكْرٍ) الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - خَلِيفَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (مِنْ بَيْعَةِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ مِنْ الْعُلَمَاءِ وَوُجُوهِ النَّاسِ) الَّذِينَ (بِصِفَةِ الشُّهُودِ) مِنْ الْعَدَالَةِ وَغَيْرِهَا، وَلَا نَظَرَ لِمَنْ عَدَا هَؤُلَاءِ؛ لِأَنَّهُمْ كَالْهَوَامِّ (أَوْ يُجْعَلُ الْأَمْرُ شُورَى فِي عَدَدٍ مَحْصُورٍ لِيَتَّفِقَ أَهْلُهَا) أَيْ أَهْلُ الْبَيْعَةِ (عَلَى أَحَدِهِمْ فَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ) كَفِعْلِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَيْثُ جَعَلَ أَمْرَ الْإِمَامَةِ شُورَى بَيْن سِتَّةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فَوَقَعَ اتِّفَاقُهُمْ عَلَى عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.

(أَوْ بِنَصِّ مَنْ قَبْلَهُ عَلَيْهِ) بِأَنْ يَعْهَدَ الْإِمَامُ بِالْإِمَامَةِ إلَى إنْسَانٍ يَنُصُّ عَلَيْهِ بَعْدَهُ وَلَا يَحْتَاجُ فِي ذَلِكَ إلَى مُوَافَقَةِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ كَمَا عَهِدَ أَبُو بَكْرٍ بِالْإِمَامَةِ إلَى عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - (أَوْ بِاجْتِهَادٍ) مِنْ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ عَلَى نَصْبِ مَنْ يَصْلُحُ وَمُبَايَعَتِهِ (أَوْ بِقَهْرِهِ النَّاسَ بِسَيْفِهِ حَتَّى أَذْعَنُوا لَهُ وَدَعَوْهُ إمَامًا) فَثَبَتَ لَهُ الْإِمَامَةُ وَيَلْزَمُ الرَّعِيَّةُ طَاعَتَهُ قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ عَبْدُوسِ بْنِ مَالِكٍ الْعَطَّارِ: وَمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِمْ بِالسَّيْفِ حَتَّى صَارَ خَلِيفَةً وَسُمِّيَ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ يُؤْمِنُ بِاَللَّهِ يَبِيتُ وَلَا يَرَاهُ إمَامًا بَرًّا كَانَ أَوْ فَاجِرًا انْتَهَى.

لِأَنَّ عَبْدَ الْمَلْكِ بْنَ مَرْوَانَ خَرَجَ عَلَيْهِ ابْنُ الزُّبَيْرِ فَقَتَلَهُ وَاسْتَوْلَى عَلَى الْبِلَادِ وَأَهْلِهَا حَتَّى بَايَعُوهُ طَوْعًا وَكَرْهًا وَدَعَوْهُ إمَامًا وَلِمَا فِي الْخُرُوجِ عَلَيْهِ مِنْ شَقِّ عَصَا الْمُسْلِمِينَ وَإِرَاقَةِ دِمَائِهِمْ وَذَهَابِ أَمْوَالِهِمْ.

(وَيُعْتَبَرُ) فِي الْإِمَامِ (كَوْنُهُ قُرَشِيًّا) لِحَدِيثِ «الْأَئِمَّةُ مِنْ قُرَيْشٍ» وَحَدِيثِ «قَدِّمُوا قُرَيْشًا وَلَا تَقَدَّمُوهَا» وَقَوْلِ الْمُهَاجِرِينَ لِلْأَنْصَارِ: إنَّ الْعَرَبَ لَا تَدِينُ إلَّا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ وَرَوَوْا لَهُمْ فِي ذَلِكَ الْأَخْبَارِ (بَالِغًا عَاقِلًا) لِأَنَّ غَيْرَ الْبَالِغِ الْعَاقِلِ يَحْتَاجُ لِمَنْ يَلِي أَمْرَهُ، فَلَا يَلِي أَمْرَ غَيْرِهِ (سَمِيعًا بَصِيرًا نَاطِقًا) لِأَنَّ غَيْرَ الْمُتَّصِفِ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ لَا يَصْلُحُ لِلسِّيَاسَةِ (حُرًّا) لَا عَبْدًا وَلَا مُبَعَّضًا؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ ذُو الْوِلَايَةِ الْعَامَّةِ، فَلَا يَكُونُ وَلِيًّا عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَحَدِيثِ «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَلَوْ وُلِّيَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ أَسْوَدُ كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ» مَحْمُولٌ عَلَى نَحْوِ غَيْرِ سَرِيَّةٍ (ذَكَرًا) لِحَدِيثِ «خَابَ قَوْمٌ وَلَّوْا أَمْرَهُمْ امْرَأَةً» (عَدْلًا) لِاشْتِرَاطِ ذَلِكَ فِي وِلَايَةِ الْقَضَاءِ وَهِيَ دُونَ الْإِمَامَةِ الْعُظْمَى قُلْتُ: فَإِنْ قَهَرَ النَّاسَ غَيْرُ عَدْلٍ فَهُوَ إمَامٌ كَمَا تَقَدَّمَ نَصُّهُ فِي رِوَايَةِ عَبْدُوسٍ (عَالِمًا) بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لِاحْتِيَاجِهِ إلَى مُرَاعَاتِهَا فِي أَمْرِهِ وَنَهْيِهِ (ذَا بَصِيرَةٍ) أَيْ مَعْرِفَةٍ وَفِطْنَةٍ (كَافِيًا ابْتِدَاءً وَدَوَامًا) لِلْحُرُوبِ وَالسِّيَاسَةِ وَإِقَامَةِ الْحُدُودِ لَا تَلْحَقُهُ فِي ذَلِكَ وَلَا فِي الذَّبِّ عَنْ الْأُمَّةِ وَنَحْوُ الْإِغْمَاءِ لَا يَمْنَعُ عَقْدَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>