الْوَقْتِ (وَإِنْ كَفَرَ فَهُوَ كَافِرٌ مِنْ الْآنَ) أَيْ مِنْ حِينِ كَفَرَ بَعْدَ صَحْوِهِ فَيُسْتَتَابُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنْ تَابَ وَإِلَّا قُتِلَ.
(وَلَا تُقْبَلُ فِي الدُّنْيَا أَيْ فِي الظَّاهِرِ) بِحَيْثُ يُتْرَك قَتْلُهُمْ وَتَثْبُتُ أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ فِي حَقِّهِمْ (تَوْبَةُ زِنْدِيقٍ) وَهُوَ الْمُنَافِقُ (وَهُوَ مَنْ يُظْهِرُ الْإِسْلَامَ وَيُخْفِي الْكُفْرَ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِلا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا} [البقرة: ١٦٠] وَالزِّنْدِيقُ لَا يُظْهَرُ مِنْهُ عَلَى مَا يَتَبَيَّنَ بِهِ رُجُوعُهُ وَتَوْبَتُهُ لِأَنَّ الزِّنْدِيقَ لَا يَظْهَرُ مِنْهُ بِالتَّوْبَةِ خِلَافَ مَا كَانَ عَلَيْهِ فَإِنْ كَانَ يَنْفِي الْكُفْرَ عَنْ نَفْسِهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَقَلْبُهُ لَا يُطَّلَعُ عَلَيْهِ فَلَا يَكُونُ لِمَا قَالَهُ حُكْمٌ لِأَنَّ الظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ أَنَّهُ إنَّمَا يَنْدَفِعُ الْقَتْلُ بِإِظْهَارِ التَّوْبَةِ فِي ذَلِكَ وَالْمَشْهُورُ عَلَى أَلْسِنَةِ النَّاسِ أَنَّ الزِّنْدِيقَ هُوَ الَّذِي لَا يَتَمَسَّكُ بِشَرِيعَةٍ وَيَقُولُ بِدَوَامِ الدَّهْرِ وَالْعَرَبُ تُعَبِّرُ عَنْ هَذَا بِقَوْلِهِمْ: مُلْحِدٌ أَيْ طَاعِنٌ فِي الْأَدْيَانِ (وَكَالْحُلُولِيَّةِ وَالْإِبَاحِيَّةِ وَكَمَنْ يُفَضِّلُ مَتْبُوعَهُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوْ) يَعْتَقِدُ (أَنَّهُ إذَا حَصَلَتْ لَهُ الْمَعْرِفَةُ وَالتَّحْقِيقُ سَقَطَ عَنْهُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ أَوْ) يَعْتَقِدُ (أَنَّ الْعَارِفَ الْمُحَقِّقَ يَجُوزُ لَهُ التَّدَيُّنُ بِدِينِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الِاعْتِصَامُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ) الطَّوَائِفِ الْمَارِقِينَ مِنْ الدِّينِ فَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُمْ فِي الظَّاهِرِ كَالْمُنَافِقِ.
(وَلَا) تُقْبَلُ أَيْضًا فِي الظَّاهِرِ تَوْبَةُ (مَنْ تَكَرَّرَتْ رِدَّتُهُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلا} [النساء: ١٣٧] وَقَوْلِهِ: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ} [آل عمران: ٩٠] وَالِازْدِيَادُ يَقْتَضِي كُفْرًا مُتَجَدِّدًا وَلَا بُدَّ مِنْ تَقَدُّمِ إيمَانٍ عَلَيْهِ.
وَلِمَا رَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ طَيْبَانَ بْنِ عِمَارَةَ " أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ أُتِيَ بِرَجُلٍ فَقَالَ لَهُ: إنَّهُ قَدْ أُتِيَ بِك مَرَّةً فَزَعَمْتَ أَنَّكَ تُبْتَ وَأَرَاك قَدْ عُدْتَ فَقَتَلَهُ " وَلِأَنَّ تَكْرَارَ الرِّدَّةِ مِنْهُ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ عَقِيدَتِهِ وَقِلَّةِ مُبَالَاتِهِ بِالدِّينِ (أَوْ سَبَّ اللَّهَ أَوْ رَسُولَهُ صَرِيحًا أَوْ تَنَقَّصَهُ) لِأَنَّ ذَنْبَهُ عَظِيمٌ جِدًّا يَدُلّ مِنْهُ عَلَى فَسَادِ عَقِيدَتِهِ وَاسْتِخْفَافِهِ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَوْ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (وَلَا السَّاحِرُ الَّذِي يَكْفُرُ بِسِحْرِهِ) لِمَا رَوَى جُنْدُبُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «حَدُّ السَّاحِرِ ضَرْبُهُ بِالسَّيْفِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ.
فَسَمَّاهُ حَدًّا وَالْحَدُّ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَا يَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ وَلِأَنَّهُ لَا طَرِيقَ لَنَا إلَى إخْلَاصِهِ فِي تَوْبَتِهِ لِأَنَّهُ يُضْمِرُ السِّحْرَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute