للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَوَافِرِ عَطْفِهِ، وَسَمَّيْتُهُ (كَشَّافَ الْقِنَاعِ عَنْ الْإِقْنَاعِ) .

وَاَللَّهَ أَسْأَلُ أَنْ يَنْفَعَ بِهِ كَمَا نَفَعَ بِأَصْلِهِ، وَأَنْ يُعَامِلَنَا بِفَضْلِهِ، وَمَزَجْتُهُ بِشَرْحِهِ حَتَّى صَارَا كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ لَا يُمَيِّزُ بَيْنَهُمَا إلَّا صَاحِبُ بَصَرٍ أَوْ بَصِيرَةٍ، لِحَلِّ مَا قَدْ يَكُونُ مِنْ التَّرَاكِيبِ الْعَسِيرَةِ وَتَتَبَّعْتُ أُصُولَهُ الَّتِي أَخَذَ مِنْهَا كَالْمُقْنِعِ وَالْمُحَرَّرِ وَالْفُرُوعِ وَالْمُسْتَوْعِبِ وَمَا تَيَسَّرَ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ مِنْ شُرُوحِ تِلْكَ الْكُتُبِ وَحَوَاشِيهَا، كَالشَّرْحِ الْكَبِيرِ وَالْمُبْدِعِ وَالْإِنْصَافِ وَغَيْرِهَا مِمَّا مَنَّ اللَّهُ تَعَالَى بِالْوُقُوفِ عَلَيْهِ كَمَا سَتَرَاهُ، خُصُوصًا شَرْحِ الْمُنْتَهَى وَالْمُبْدِعِ، فَتَعْوِيلِي فِي الْغَالِبِ عَلَيْهِمَا، وَرُبَّمَا عَزَوْتُ بَعْضَ الْأَقْوَالِ لِقَائِلِهَا خُرُوجًا مِنْ عُهْدَتِهَا.

وَذَكَرْتُ مَا أَهْمَلَهُ مِنْ الْقُيُودِ، وَغَالِبَ عِلَلِ الْأَحْكَامِ وَأَدِلَّتِهَا عَلَى طَرِيقِ الِاخْتِصَارِ غَيْرِ الْمَرْدُودِ وَبَيَّنْتُ الْمُعْتَمَدَ مِنْ الْمَوَاضِعِ الَّتِي تَعَارَضَ كَلَامُهُ فِيهَا، وَمَا خَالَفَ فِيهِ الْمُنْتَهَى مُتَعَرِّضًا لِذِكْرِ الْخِلَافِ فِيهَا لِيُعْلَمَ مُسْتَنَدُ كُلٍّ مِنْهُمَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّه تَعَالَى مِمَّا يَقَعُ لِي مِنْ الْخَلَلِ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ الْمَسْطُورَةِ وَأَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّ حَاسِدٍ يُرِيدُ أَنْ يُطْفِئَ نُورَ اللَّهِ وَيَأْبَى اللَّهُ إلَّا أَنْ يُتِّمَ نُورَهُ وَمَنْ عَثَرَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا طَغَى بِهِ الْقَلَمُ أَوْ زَلَّتْ بِهِ الْقَدَمُ فَلْيَدْرَأْ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ، وَيُحْضِرْ بِقَلْبِهِ أَنَّ الْإِنْسَانَ مَحِلَّ النِّسْيَانِ، وَأَنَّ الصَّفْحَ عَنْ عَثَرَاتِ الضِّعَافِ مِنْ شِيَمِ الْأَشْرَافِ، وَأَنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ وَمَا تَوْفِيقِي إلَّا بِاَللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ.

قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) تَأَسِّيًا بِالْكِتَابِ، وَعَمَلًا بِحَدِيثِ «كُلُّ أَمْرٍ ذِي بَالٍ لَا يُبْدَأُ فِيهِ بِبِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَهُوَ أَبْتَرُ» أَيْ ذَاهِبُ الْبَرَكَةِ رَوَاهُ الْخَطِيبُ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي كِتَابِهِ الْجَامِعِ، وَالْحَافِظُ عَبْدُ الْقَادِرِ الرَّهَاوِيُّ.

وَالْبَاءُ فِي الْبَسْمَلَةِ لِلْمُصَاحَبَةِ أَوْ الِاسْتِعَانَةِ مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ وَتَقْدِيرُهُ فِعْلًا أَوْلَى، لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْعَمَلِ لِلْأَفْعَالِ وَخَاصَّةً؛ لِأَنَّهُ أَمَسُّ بِالْمَقَامِ، وَمُؤَخَّرًا لِإِفَادَةِ الِاخْتِصَاصِ؛ وَلِأَنَّهُ أَوْفَقُ لِلْوُجُودِ وَأَدْخَلُ فِي التَّعْظِيمِ وَلَا يَرِدُ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: ١] لِكَوْنِهِ مَقَامَ أَمْرٍ بِجَعْلِ الْفِعْلِ مَقْرُونًا بِاسْمِ اللَّهِ، فَتَقْدِيمُهُ أَيْ الْفِعْلُ لِكَوْنِهَا أَوَّلَ سُورَةٍ نَزَلَتْ، عَلَى أَنَّ فِي الْكَشَّافِ أَنَّ مَعْنَاهُ: اقْرَأْ مُفْتَتِحًا بِسْمِ - رَبِّكَ أَيْ قُلْ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ثُمَّ اقْرَأْ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ: مُفْتَتِحًا بِسْمِ اللَّهِ اقْرَأْ وَكَفَى بِهِ شَاهِدًا عَلَى أَنَّ الْبَسْمَلَةَ مَأْمُورٌ بِهَا فِي ابْتِدَاءِ كُلِّ قِرَاءَةٍ إذْ هُوَ أَمْرٌ بِإِيجَادِ الْقِرَاءَةِ مُطْلَقًا بِدُونِ تَعَلُّقِهِ بِمَقْرُوءٍ دُونَ مَقْرُوءٍ، فَتَكُونُ مَأْمُورًا بِهَا فِي ابْتِدَاءٍ غَيْرِ هَذِهِ السُّورَةِ أَيْضًا وَكُسِرَتْ الْبَاءُ وَإِنْ كَانَ حَقُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>