وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «إذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى نَصْبِ الْقُضَاةِ لِلْفَصْلِ بَيْنَ النَّاسِ (وَهُوَ) أَيْ الْقَضَاءُ (فَرْضُ كِفَايَةٍ كَالْإِمَامَةِ) الْعُظْمَى.
قَالَ أَحْمَدُ: لَا بُدَّ لِلنَّاسِ مِنْ حَاكِمٍ لِئَلَّا تَذْهَبَ حُقُوقُ النَّاسِ وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: قَدْ أَوْجَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَأْمِيرَ الْوَاحِدِ فِي الِاجْتِمَاعِ الْقَلِيلِ الْعَارِضِ فِي السَّفَرِ، وَهُوَ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنْوَاعِ الِاجْتِمَاعِ (وَإِذَا أَجْمَعَ أَهْلُ بَلَدٍ عَلَى تَرْكِهِ أَثِمُوا) قَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إنْ لَمْ يَحْكُمُوا فِي غَيْرِهِ لَكِنْ الْمُخَاطَبُ بِنَصْبِ الْقَضَاءِ الْإِمَامُ كَمَا يَأْتِي (وَوِلَايَتُهُ) أَيْ الْقَضَاءِ (رُتْبَةٌ دِينِيَّةٌ وَنَصْبُهُ شَرْعِيَّةٌ وَفِيهِ فَضْلٌ عَظِيمٌ لِمَنْ قَوِيَ عَلَى الْقِيَامِ بِهِ وَأَدَاءِ الْحَقِّ فِيهِ) قَالَ ابْنُ مَسْرُوقٍ: لَأَنْ أَحْكُمَ يَوْمًا بِحَقٍّ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَغْزُو سَنَةً فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
(قَالَ الشَّيْخُ: وَالْوَاجِبُ اتِّخَاذُهَا) أَيْ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ (دِينًا وَقُرْبَةً فَإِنَّهَا مِنْ أَفْضَلِ الْقُرُبَاتِ) «وَالْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى» (وَإِنَّمَا فَسَدَ حَالُ الْأَكْثَرِ لِطَلَبِ الرِّيَاسَةِ وَالْمَالِ بِهَا انْتَهَى) .
(وَفِيهِ) أَيْ الْقَضَاءِ (خَطَرٌ عَظِيمٌ وَوِزْرٌ كَبِيرٌ لِمَنْ لَمْ يُؤَدِّ الْحَقَّ فِيهِ) وَلِهَذَا فِي الْحَدِيثِ: «مَنْ جُعِلَ قَاضِيًا فَقَدْ ذُبِحَ بِغَيْرِ سِكِّينٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ أَيْ مَنْ تَصَدَّى لِلْقَضَاءِ وَتَوَلَّاهُ فَقَدْ تَعَرَّضَ لِلذَّبْحِ فَلْيَحْذَرْهُ، وَالذَّبْحُ هَهُنَا مَجَازٌ عَنْ الْهَلَاكِ فَإِنَّهُ مِنْ أَسْرَعِ أَسْبَابِهِ قَالَهُ فِي حَاشِيَتِهِ (فَمَنْ عَرَفَ الْحَقِّ وَلَمْ يَقْضِ بِهِ أَوْ قَضَى عَلَى جَهْلٍ فَفِي النَّارِ، وَمَنْ عَرَفَ الْحَقَّ وَقَضَى بِهِ فَفِي الْجَنَّةِ) لِحَدِيثِ: «قَاضِيَانِ فِي النَّارِ وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ» .
(وَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُنَصِّبَ فِي كُلِّ إقْلِيمٍ قَاضِيًا) لِأَنَّ الْإِمَامَ هُوَ الْقَائِمُ بِأَمْرِ الرَّعِيَّةِ الْمُتَكَلِّمُ بِمَصْلَحَتِهِمْ، الْمَسْئُولُ عَنْهُمْ، فَيَبْعَثُ الْقُضَاةَ إلَى الْأَمْصَارِ لِفِعْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةِ وَلِلْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ لِئَلَّا يَتَوَقَّفَ الْأَمْرُ عَلَى السَّفَرِ إلَى الْإِمَامِ فَتَضِيعَ الْحُقُوقُ لِمَا فِي السَّفَرِ إلَيْهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ وَكُلْفَةِ النَّفَقَةِ وَبَعَثَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَاضِيًا إلَى الْيَمَنِ وَوَلَّى عُمَرُ شُرَيْحًا قَاضِيًا لِلْكُوفَةِ، وَكَعْبَ بْنَ سُورٍ قَضَاءَ الْبَصْرَةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ.
وَالْإِقْلِيمُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ أَحَدُ الْأَقَالِيمِ السَّبْعَةِ قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ وَلَيْسَ بِعَرَبِيٍّ مَحْضٍ (وَ) يَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ (أَنْ يَخْتَارَ لِذَلِكَ أَفْضَلَ مَنْ يَجِدُ عِلْمًا وَوَرَعًا) لِأَنَّ الْإِمَامَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute