عُثْمَانُ تَوْلِيَةَ ابْنِ عُمَرَ الْقَضَاءَ فَأَبَى.
(وَيُكْرَهُ لَهُ طَلَبُهُ) أَيْ الْقَضَاءِ (وَكَذَلِكَ الْإِمَارَةُ) لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ: «لَا تَسْأَلْ الْإِمَارَةَ فَإِنَّكَ إنْ أُعْطِيتَهَا عَنْ مَسْأَلَةٍ وُكِلْتَ إلَيْهَا، وَإِنْ أُعْطِيتَهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِنْتَ عَلَيْهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (وَطَرِيقَةُ السَّلَفِ الِامْتِنَاعُ) طَلَبًا لِلسَّلَامَةِ (وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الْقِيَامُ بِالْوَاجِبِ لِظُلْمِ السُّلْطَانِ أَوْ غَيْرِهِ حَرُمَ) عَلَيْهِ الدُّخُولُ فِيهِ (وَتَأَكَّدَ الِامْتِنَاعُ) مِنْ الْإِجَابَةِ إلَيْهِ.
(وَيَحْرُمُ بَذْلُ الْمَالِ فِي ذَلِكَ) أَيْ فِي نَصْبِهِ قَاضِيًا (وَيَحْرُمُ أَخْذُهُ) أَيْ أَخْذِ الْمَالِ عَلَى تَوْلِيَةِ الْقَضَاءِ (وَ) يَحْرُمُ (طَلَبُهُ وَفِيهِ مُبَاشِرٌ أَهْلٌ لَهُ) وَلَوْ كَانَ الطَّالِبُ أَهْلًا لِلْقَضَاءِ لِمَا فِيهِ مِنْ إيذَاءِ الْقَائِمِ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مُبَاشِرٌ أَهْلٌ لَمْ يَحْرُمْ طَلَبُهُ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: فَإِنْ كَانَ أَكْثَرُ قَصْدِهِ إزَالَتَهُ أُثِيبَ وَإِنْ كَانَ لِيَخْتَصَّ بِالنَّظَرِ أُبِيحَ، فَإِنْ ظَنَّ عَدَمَ تَمْكِينِهِ فَالِاحْتِمَالَانِ.
(وَتَصِحُّ تَوْلِيَةُ مَفْضُولٍ مَعَ وُجُودِ أَفْضَلَ) مِنْهُ لِأَنَّ الْمَفْضُولَ مِنْ الصَّحَابَةِ كَانَ يُوَلَّى مَعَ وُجُودِ الْفَاضِلِ مَعَ الِاشْتِهَارِ وَالتَّكْرَارِ، وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ أَحَدٌ فَكَانَ إجْمَاعًا وَتَصِحُّ أَيْضًا تَوْلِيَةُ حَرِيصٍ عَلَيْهَا بِلَا كَرَاهَةٍ.
(وَلَا تَثْبُتُ وِلَايَةُ الْقَضَاءِ إلَّا بِتَوْلِيَةِ الْإِمَامِ أَوْ نَائِبِهِ) لِأَنَّ وِلَايَةَ الْقَضَاءِ مِنْ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، فَلَمْ تَجُزْ إلَّا مِنْ جِهَةِ الْإِمَامِ كَعَقْدِ الذِّمَّةِ، وَلِأَنَّ الْإِمَامَ صَاحِبُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ، وَهُوَ وَاجِبُ الطَّاعَةِ مَسْمُوعُ الْكَلِمَةِ.
(وَمِنْ شُرُوطِ صِحَّتِهَا) أَيْ وِلَايَةِ الْقَضَاءِ (مَعْرِفَةُ الْمُوَلِّي) بِكَسْرِ اللَّامِ (كَوْنَ الْمُوَلَّى) بِفَتْحِهَا (عَلَى صِفَةٍ تَصْلُحُ لِلْقَضَاءِ) لِأَنَّ مَقْصُودَ الْقَضَاءِ لَا يَصْلُحُ إلَّا بِذَلِكَ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الْعَدَمُ فَلَا تَجُوزُ تَوْلِيَتُهُ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِأَهْلِيَّتِهِ، كَمَا لَا تَجُوزُ تَوْلِيَتُهُ مَعَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِصَلَاحِيَتِهِ (وَ) مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا (تَعْيِينُ مَا يُوَلِّيهِ الْمُحَكَّمُ فِيهِ مِنْ الْأَعْمَالِ) كَمِصْرِ وَنَوَاحِيهَا (وَالْبُلْدَانِ) كَالْمَحِلَّةِ وَنَحْوِهَا لِيَعْلَمَ مَحَلَّ وِلَايَتِهِ فَيَحْكُمَ فِيهِ وَلَا يَحْكُمُ فِي غَيْرِهِ، وَلِأَنَّهُ عَقْدُ وِلَايَةٍ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْإِيجَابُ وَالْقَبُولُ، فَلَا بُدَّ مِنْ مَعْرِفَةِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ كَالْوِكَالَةِ.
(وَ) مِنْ شَرْطِ صِحَّتِهَا (مُشَافَهَتُهُ بِالْوِلَايَةِ فِي الْمَجْلِسِ) إنْ كَانَ حَاضِرًا (وَمُكَاتَبَتُهُ بِهَا) إنْ كَانَ غَائِبًا لِأَنَّ التَّوْلِيَةَ تَحْصُلُ بِذَلِكَ كَالتَّوْكِيلِ وَحِينَئِذٍ يَكْتُبُ لَهُ عَهْدًا بِمَا وَلَّاهُ، «لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ» ، وَكَتَبَ عُمَرُ إلَى أَهْلِ الْكُوفَةِ " أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي قَدْ بَعَثْتُ لَكُمْ عَمَّارًا أَمِيرًا، وَعَبْدَ اللَّهِ قَاضِيًا " (فِي الْبُعْدِ) أَيْ مُكَاتَبَتُهُ بِهَا فِي الْبُعْدِ (وَإِشْهَادُ عَدْلَيْنِ عَلَى تَوْلِيَتِهِ فَيَقْرَأُ) الْإِمَامُ (أَوْ نَائِبُهُ عَلَيْهِمَا الْعَهْدَ أَوْ يَقْرَؤُهُ غَيْرُهُ بِحَضْرَتِهِ لِيَمْضِيَا مَعَهُ إلَى بَلَدِ تَوْلِيَتِهِ فَيُقِيمَا لَهُ الشَّهَادَةَ وَيَقُولُ) الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ (لَهُمَا اشْهَدَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute